توقيت القاهرة المحلي 21:28:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نجحنا فى مادة ورسبنا فى الامتحان النهائى

  مصر اليوم -

نجحنا فى مادة ورسبنا فى الامتحان النهائى

مصر اليوم

أما وقد هدأت العاصفة التى اجتاحت مصر إثر اختطاف الجنود السبعة فى سيناء. فاسمحوا لنا أن نستعيد بعض خلفيات الحدث ومشاهده. كى نستخلص منها ما تيسر من الخبرة والعبرة. (1) بمجرد أن نفتح ملف اختطاف الجنود سنفاجأ بأن الحادث له سابقة مسكوت عليها أو نسيناها، ففى يوم 12 نوفمبر عام 2008 تناقلت المواقع الإخبارية قصة خلاصتها أن البدو اختطفوا 21 من الضباط والجنود، أحدهم برتبة عقيد عند النقطة 36 وسط سيناء، ونقلت عن المصادر البدوية قولها إن المختطفين بمثابة «رهائن» تم إيداعهم فى منطقة «وادى العمر» معقل قبيلة الترابين لحين تقديم الضباط المسئولين عن قتل 4 من البدو إلى محاكمة عادلة ــ وكان آخرهم مواطن يدعى ربيع أبوسنجر (42) قتلته قوات الأمن. وقد عقد اللواء منتصر شعيب، مدير أمن سيناء اجتماعا صباح ذلك اليوم (الاربعاء) بحضور اللواء عدلى فايد مساعد وزير الداخلية للأمن العام واللواء محمد عبدالفضيل شوشة، ومعهم مشايخ الترابين وبعض مشايخ القبائل الأخرى، وتمت خلال الاجتماع مناقشة ملابسات وأسباب التوتر القائم بين الأجهزة الأمنية والبدو، واستعادة الضباط والجنود المختطفين، على أن يتم رطلاق سراح عدد من عناصر البدو الذين ألقى القبض عليهم خلال اليومين السابقين. كان موقع «اليوم السابع» قد ذكر فى يوم سابق (الثلاثاء 11 نوفمبر) أن البدو المعتصمين استولوا على مركز شرطة بلدة مدفونة، بالقرب من الحدود بين مصر وقطاع غزة، حدث ذلك فى الوقت الذى اتخذت فيه الأجهزة الأمنية بشمال سيناء العديد من التدابير لامتصاص غضب قبيلة الترابين، قبل تصعيد اعتصامهم الذى استمر طوال اليوم السابق (الاثنين 10 / 11) فى قرية نجع شبانة على الحدود المصرية الإسرائيلية، وفيه أطلقت الأعيرة النارية وتم إحراق إطارات السيارات، فى نفس المكان الذى شهد فى السابق اعتصامات مفتوحة للمطالبة بحقوق البدو وإطلاق سراح المعتقلين من أبناء سيناء. على ذات الموقع وفى الفترة ذاتها (نوفمبر 2008) أخبار عدة تتعلق باشتباكات وصدامات بين البدو والأجهزة الأمنية، أحدها تحدث عن تجمع عشرات من أبناء قبائل سيناء على الحدود المصرية الإسرائيلية فى منطقة نجع شبانة، حيث نظموا اعتصاما مفتوحا اعتراضا على تفجير قوات الأمن المصرية سيارة كان يستقلها اثنان من أبناء الترابين، الآخر تحدث عن مقتل اثنين برصاص الشرطة أحدهما من قبيلة الترابين والثانى من قبيلة الرياشات. الخبر الثالث تحدث عن أن ضابطا صغيرا تسبب فى معارك بين الأمن والبدو، ونقل عن بعض عناصر البدو قولهم، من الآن فصاعدا لا وجود للحكومة فى سيناء.. الخ (2) هذه الخلفية تنبهنا إلى أربع ملاحظات هى:  ان هناك احتقانا له تاريخ بين بعض قبائل سيناء وبين الأجهزة الأمنية، وان محاولات امتصاص ذلك الاحتقان لم تنجح خلال العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل.  ان الاحتقان له مصدران أساسيان، أولهما فكرة التعامل مع سيناء باعتبارها حالة أمنية، الأمر الذى صرف الانتباه عن الجهد الذى ينبغى أن يبذل لتنمية مجتمعاتها للنهوض بها وليس فقط لجذب السياح وتوفير أسباب الراحة لهم. المصدر الثانى تمثل فى إساءة معاملة الشرطة لأهالى سيناء على نحو مهين لم يكن ممكنا القبول به أو احتماله فى ظل التركيبة القبلية الراسخة هناك. ان التوتر الذى شاع فى سيناء لم تكن له فى البداية دوافع ايديولوجية، حيث لم تكن قد ظهرت على السطح الجماعات السلفية أو التكفيرية التى يتواتر الحديث عنها هذه الأيام، وهو يعنى ان للغضب وجودا وجذورا سابقة على ظهور تلك الجماعات، الأمر الذى يعنى انها جاءت كاشفة لمشاعر النقمة والغضب وليست منشئة لها. الملاحظة الرابعة هى أن الحدث جرى احتواؤه فى هدوء حينذاك، حيث أعطى حجمه الطبيعى باعتباره إشكالا بين الأهالى والشرطة جرى حله من خلال التفاهمات التى قادها الوسطاء، ورغم ان الذين تم اختطافهم آنذاك كانوا ثلاثة أضعاف الجنود الذين اختطفوا مؤخرا، إلا أن الحدث لم يثر الصدمة أو الدوى الذى شهدته مصر فى الاسبوع الماضى، وهذا الاختلاف فى الأصداء وثيق الصلة باختلاف ظروف كل من الحدثين، فالحدث الأخير وقع فى أجواء استقطاب داخلى وصراع حاد وهو ما لم يكن قائما منذ خمس سنوات، حين وقعت حادثة الاختطاف سابقة الذكر وتلك مسألة تحتاج إلى وقفة. (3) لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن حادث اختطاف الجنود السبعة سلط الأضواء على مشكلة القاهرة وليس مشكلة سيناء. إذ منذ اللحظات الأولى استخدم الحدث فى اتجاهين متوازيين، أحدهما وجه الاتهام بالتآمر والفشل الى الرئيس مرسى وجماعته، والثانى استغاث بالجيش واستنفره لمحو «العار» الذى لحق بمصر جراء ما وصف بأنه تطاول على سيادتها وإهانة لكرامة جنودها. تعددت صياغة التعبير عن هذا المعنى أو ذاك، وكان عدد جريدة الدستور الصادر فى 21 / 5 حالة قصوى فى هذا الصدد، إذ اعتبرت أن عملية الخطف من تدبير جماعة الإخوان، ووصفتها بالعملية الارهابية «رفح2»، معتبرة أن قتل الـ16 جنديا فى شهر رمضان الماضى هى رفح واحد، وذكرت فى عناوين كبيرة بسطتها على الصفحة الأولى أن العملية استهدفت أربعة أمور هى: كسر هيبة الجيش وإهانة كرامة شعبنا أمام العالم ــ إبعاد الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس المخابرات ضمن عشرة من قيادات القوات المسلحة، تمهيدا للاطاحة بعشرة آلاف ضابط وتحويلهم إلى وظائف مدنية أو إحالتهم الى التقاعد ــ السيطرة على مفاتيح الجيش الذى يمثل العقبة الرئيسية التى تتطلع الجماعة للاستيلاء على ممتلكات الدولة الاستراتيجية ــ إلهاء الشعب عما يحدث فى مصر الآن من كارثة اغتصاب ممتلكات الدولة وبيع أصولها بالصكوك إلى جانب تمرير مشروع احتلال قناة السويس. على الصفحة ذاتها عناوين أخرى عرضت لما اعتبرته أسبابا للخلاف بين الجماعة والقيادات العسكرية. وكيف أن تلك الأسباب هى محور الصدام بين الطرفين الكامن وراء مؤامرة اختطاف الجنود السبعة (بالمناسبة ستة منهم من الشرطة ويتبعون الأمن المركزى). التعبئة الإعلامية تحركت فى ذلك الإطار الذى لم يذكر سيناء. ولا أشار إلى شىء من مشكلاتها، أستثنى من ذلك بيانا رصينا أصدرته منظمات حقوق الإنسان المصرية (فى 20/5) انتقد تجاهل مظلومية أهالى سيناء واحتجاز نفر منهم فى السجون بالمخالفة للقانون، وحذر من أن تقتصر استجابة سلطات الدولة كالمعتاد على الحل الأمنى قصير النظر الساعى لإطلاق سراح الجنود المختطفين دون معالجة جذور الأزمة الحالية، التى لم تكن لتقع إلا بسبب تجاهل الدولة لأبسط قواعد العدالة والقانون، ورفضها الاستجابة لمطالب لم تنقطع منذ سنوات لإنهاء الظلم المزمن الواقع على أبناء سيناء وسجنائهم»، وأكد بيان المنظمات الثمانى الموقعة عليه على «أن الحل الجذرى للازمة الممتدة فى سيناء يبدأ وينتهى بإنهاء التهميش السياسى والاقتصادى لأهالى سيناء، وبرد حقوقهم ورفع المظالم عنهم». (4) بيان منظمات حقوق الإنسان بدا سباحة ضد التيار وتغريدا خارج السرب، لسبب جوهرى هو أنه كان محاولة للفت الانتباه إلى التشخيص الصحيح لمشكلة سيناء، فى حين أن الخطاب الإعلامى السائد لم يكن معنيا بتصحيح التشخيص، بل لم يكن معنيا بسيناء كلها، لأن تصفية حسابات القاهرة كانت الهدف والموضوع الأساسى للحملة السياسية والإعلامية. كما لم يؤخذ بيان منظمات حقوق الإنسان على محمل الجد، فإن البيان الذى أصدرته السلفة الجهادية ونفت فيه علاقتها بخطف الجنود لقى نفس المصير، وكانت النتيجة أننا لم نفهم حقيقة ما حدث فى سيناء، وحاول البعض إبراء ذمتهم إزاء ما جرى باستسهال المطالبة بدخول الجيش الى الساحة والقيام بعملية عسكرية لتحرير «الرهائن»، دون إدراك لمغزى هذه الخطوة وعواقبها، ونحمد الله على أن الجيش كان أكثر حكمة، فدعا إلى التريث رغم أنه كان تحت تصرفه امر عمليات وقعه رئيس الجمهورية، فى أعقاب عقده مع وزير الدفاع وقيادات القوات المسلحة. المدهش فى الأمر أن كثيرين تحدثوا عن ضياع هيبة الدولة والمساس بكرامتها والعار الذى لحق بها جراء خطف الجنود السبعة، وتجاهلوا أن انتقاص سيادة الدولة على سيناء وتقييد حركة قواتها على أرضها يجسد كل تلك المعانى. لكن الأغلبية تتجاهل تلك الحقيقة وتغض الطرف عنها. وهو ما ذكرنى بمقولة الشيخ محمد الغزالى التى انتقد فيها خلل التفكير وشيوع قصر النظر عند الذين تستبد بهم الغيرة ويثورون لكرامتهم إذا ما اغتصبت فتاة من أهليهم، فى حين لا يحركون ساكنا إذا اغتصبت بلادهم، وهو بالضبط ما فعله أصحابنا هؤلاء. إن أخشى ما أخشاه أن يغلق ملف سيناء بعد إطلاق سراح الجنود وعودتهم إلى أهاليهم لتعود بعد ذلك «ريمة إلى عادتها القديمة». فتنسى مسألة المطالبة ببسط سيادة مصر على أراضيها كاملة وتعود الأجهزة الأمنية إلى استخدام أساليبها المعروفة فى التحفظ على الأهالى واستنطاقهم. وتبقى مظلومية أهالى سيناء على حالها، ويغرق الجميع فى مستنقع مراراتهم وحساباتهم الخاصة، ناسين الوطن وناسه ومستقبله، وحين يحدث ذلك فإننا لا نستطيع أن نتفاءل كثيرا بالمستقبل، لأن خياراتنا ستصبح بين سلطة لا تحسن الإدارة ومعارضة لا تحسن التقدير، كإنما دخل الاثنان فى مسابقة لقلة الحيلة وقصر النظر، لقد نجحنا حقا فى إطلاق سراح الجنود المختطفين لكننا رسبنا فيما عدا ذلك، الأمر الذى يسوغ لى أن أقول إننا نجحنا فى مادة واحدة لكننا رسبنا فى الامتحان النهائى.  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نجحنا فى مادة ورسبنا فى الامتحان النهائى نجحنا فى مادة ورسبنا فى الامتحان النهائى



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon