توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إدانة للقاضى مع المتهم

  مصر اليوم -

إدانة للقاضى مع المتهم

فهمي هويدي

ما هى الرسالة التى يتلقاها المجتمع فى مصر حين يجد أن شخصا أدين بازدراء الدين المسيحى فحكم عليه بالحبس مدة 11 سنة كما حكم بحبس ابنه 8 سنوات، وحين أدينت مدرسة بازدراء الدين الإسلامى فإن القاضى حكم بتغريمها مبلغ عشرة آلاف جنيه؟ ما تمنيت أن أجرى هذه المقابلة، وما تمنيت أن يتراشق المتعصبون المسلمون والأقباط ويتبادلوا التجريح والاتهامات، علما بأن سب معتقدات أصحاب الديانات الأخرى منهى عنه بنص القرآن، على الأقل كى لا يسبوا الله «عَدْوًا بغير علم»، كما تقول الآية 108 من سورة الأنعام. ثم أن تبادل السباب والازدراء بين المتدينين يعد إهانة لنا جميعا وتعبيرا عن تردى أوضاعنا وتهتك وشائجنا، لأننا قبل سنوات كنا قد قطعنا شوطا فى الحوار الإسلامى المسيحى دفاعا عن العيش المشترك والسلم الأهلى، وإذا بنا الآن ننتكس ونتراجع إلى الوراء بعدما صرنا متمنين وقف السباب وفض الاشتباك بين المسلمين والأقباط. أدرى أن الموضوع دقيق وحساس، وأن النفوس معبأة بدرجات متفاوتة من العتاب والغضب. وأفهم أن التعصب والمرارات تتوزع على الجانبين، لكنى أحمل الأغلبية بالمسئولية الأكبر عن إزالة المخاوف وإشاعة الطمأنينة وإرساء قواعد السلم والتعايش المنشودين. ولا أستطيع أن أتجاهل أن وباء الاستقطاب الذى تفشى فى مصر أصاب علاقات المسلمين بالأقباط، وأن صوت المتطرفين علا بقدر تراجع دوائر العقلاء والمعتدلين. كما لا أنكر أن ثمة أطرافا تسعى جاهدة لتعميق الحساسيات والمرارات الطائفية وإذكاء أسباب الخلاف بكل السبل. ولا أخفى أننى ترددت فى إثارة الموضوع والمقارنة بين العقوبتين السالفتين ليس فقط استهجانا وشعورا بالقرف من فكرة تحول ازدراء الأديان إلى ظاهرة فى الساحة المصرية، ولكن أيضا تحسبا لاحتمالات التأويل وإساءة الظن فى أجواء الحساسيات الراهنة. لكنى راهنت على أن أحدا لا يستطيع أن يزايد علىَّ فى الموضوع، متصورا أن موقفى من العلاقة مع الأقباط محسوم ومعلن منذ أكثر من ربع قرن، حين صدر لى كتاب «مواطنون لا ذميون» فى سنة 1985. وهو ما أحسبه رصيدا يقطع الطريق على أى تفكير فى استقبال ما أكتبه باعتباره تحيزا ودفاعا عن الازدراء بالديانة المسيحية الذى صدر عن صاحبنا أحمد عبدالله (أبوإسلام) الذى صدر الحكم بحبسه. ولكى أكون أكثر وضوحا أسجل أننى لم آخذ الرجل يوما ما على محمل الجد، وإنما اعتبرته أحد غلاة المتدينين المسطحين الذين كرسوا جهودهم لمخاصمة الأقباط والدفاع عن النقاب، وخاض معركته الأولى بإصدار مجلة محدودة التوزيع باسم كنيستى المصرية، ولأجل معركته الثانية فإنه أنشأ قناة تليفزيونية خاصة بالمنتقبات. ولدى علامات استفهام كثيرة حول الجهة التى تمول المشروعين. الخلاصة أنه ليس أى دفاع عن فكر الرجل وما صدر عنه من قول أو فعل بحق الأقباط، لكننى أدافع عن مظلوميته. وأزعم أن الحكم بحبسه مدة 11 سنة وحبس ابنه ثمانى سنوات يعبر عن غلو وشطط من جانب القاضى تفوح منه رائحة تفتقد إلى البراءة ــ أكرر أن صاحبنا تجنَّى وأخطأ وما كان له أن يسىء إلى الأقباط أو كتابهم المقدس ــ لكن الجزاء لا يتناسب البتة مع الفعل الذى صدر عنه. صحيح أن تقدير الحكم متروك للقاضى، لكنه ليس مطلق اليد فى ذلك. وهذا التحفظ معمول به فى أحكام القضاء الإدارى التى كثيرا ما انتقدت المبالغة فى عنصر التقدير من جانب بعض القضاة، ودأبت على نقد الأحكام التى يثبت فيها أن القاضى جنح إلى الشطط، حين أنزل عقوبة بحق أناس لا تتناسب مع ما صدر عنهم من فعل، أو اتسمت أحكامهم بالغلو والجسامة إذا ما قورنت بالسوابق والأفعال المماثلة. لا أجادل فى محاسبة أبوإسلام ومعاقبته، وهناك أكثر من صيغة للعقاب، وغرامة العشرة آلاف جنيه التى عوقبت بها المدرسة التى أدينت فى تهمة الازدراء بالدين الإسلامى نموذج لذلك. وستظل المقارنة بين العقوبتين دليلا على الغلو والشطط الذى وقع فيه قاضى محكمة مدينة نصر حين قرر حبس أبوإسلام 11 عاما فى الحكم الذى أصدره فى 15/6 الحالى. ولأن البون شاسع والمقارنة فادحة وفاضحة بين حكمى الغرامة والحبس، فإنه يخطر لى أن حكم الحبس الجائر بحق الرجل وابنه فيه من السياسة أكثر مما فيه من الإنصاف، وهو خاطر لا يأتى من فراغ، لكنه يجد قرينة له فى التحولات السلبية التى نشهدها فى ساحة القضاء، والتى حولت بعضهم إلى «نشطاء» يغلبون الهوى السياسى على معايير إحقاق الحق وإقامة العدل. فى زماننا أحكام تدين القاضى بأكثر مما تدين المتهم، وما جرى مع أبوإسلام من ذلك الصنف. نقلاً عن جريدة " الشروق "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدانة للقاضى مع المتهم إدانة للقاضى مع المتهم



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon