توقيت القاهرة المحلي 22:32:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى شجاعة التراجع

  مصر اليوم -

فى شجاعة التراجع

فهمي هويدي

ليس الاقدام وحده الذى يحتاج إلى الشجاعة، لأن الانسحاب والتراجع أيضا يحتاج إلى الشجاعة. وإذا كان الاقدام فى ظروف استثنائية يعد من قبيل الترف والسفاهة، فإن الانسحاب غالبا ما يكون من علامات الانكسار والهزيمة، اقول ذلك بمناسبة إعلان استقالة محافظ الاقصر الجديد من منصبه، بعد الاعتراضات التى قوبل بها تعيينه من جانب الفعاليات السياسية بالمدينة، ومن جانب بعض المعنيين بأمر السياحة فى مصر. أذهب إلى أن استقالة الرجل التى انحازت اليها الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية الذى يمثلها هى من ذلك الطراز الذى يتطلب شجاعة فى الرأى وبعدا فى النظر، واعلاء شأن المصلحة العامة. وهى من ذلك القبيل الذى يكبر به صاحب القرار، لأنه يخسر موقعا حقا لكنه يكسب موقفا. كما سبق أن قلت. ذلك أن الامر يبدو له بحسبانه تناقضا بين الوظيفة والقيمة ومن ثم يبدو المرء صغيرا إذا انحاز إلى الوظيفة وكبيرا اذا زهد فيها وظلت عيناه مصوبة نحو القيمة وهى فى حالتنا تتمثل فى المصلحة العليا للوطن. بسبب الجدب السياسى الذى نعيش فى ظله فإن الناس عادة ما يكبرون ويصبحون نجوما حينما يجلسون فى مقاعد الحكم، ونادرا ما تعرف الساحة السياسية كبارا ممن هم فى غير واجهات السلطة والحكم، أما فى الديمقراطيات المستقرة فإن السياسيين يكبرون وهم بعيدون عن السلطة ولا تضيف اليهم المناصب الكثير، ولذلك فإن استقالة المسئول فى تلك الديمقراطيات لا ينتقص من وزنه كثيرا. كان من الممكن أن يباشر محافظ الاقصر الجديد وظيفته وهو فى حماية الأجهزة الامنية وربما ايضا أعضاء الجماعة التى ينتمى اليها. وفى وضعه ذلك فإن صورته ستظل مجرحة وشرعيته مطعون فيها، لأنه سيظل نموذجا للمسئول الذى لا يحيط به شعبه، بل يخشى شعبه، ولا يتوفر له الامان إلا إذا احتمى بعناصر الأمن وبخاصته. ثمة مبدأ شرعى يستند إلى حديث لم تتأكد قوته يقول: من ام قوما وهم له كارهون وجبت له النار، وهذا المبدأ يرد به عادة على حديث اخر يقول: صلوا خلف كل بر وفاجر، لكن النظر الفقهى انحاز إلى الرأى الاول وأيد فكرة رفض صلاة المسلمين وراء من لا يحبون، باعتبار أن رضا الناس وقبولهم امر لابد له، حتى فى صلاة الجماعة. لست اشك فى أن المهندس عادل الخياط باستقالته صار أكبر فى عيون الكثيرين، كما أن الجماعة الاسلامية بالقرار الذى اتخذته فى هذا الصدد سجلت نقطة اضافية لصالحها ازعم انها ستسهم فى تقديمها فى صورتها التى استجدت بعد المراجعات الفكرية التى قدمتها، وحرصت على أن تلتزم فيها بالمشاكة السياسية ضمن القوى الوطنية مع احتفاظها بمرجعيتها الاسلامية. اذا كانت هذه المقدمة قد طالت فعذرى اننى اردت أن امهد لفكرة طرأت لى سبق أن عرضتها على بعض من يهمهم الامر، اقترحت فيها أن يقدم كل من رئيس الوزراء والنائب العام استقالتيهما من منصبيهما لنزع فتيل الازمة التى صرنا اليها وأوصلتنا إلى ما وصلنا اليه الآن. لقد فهمت أن الرئيس مرسى له حساباته فى الابقاء على الدكتور هشام قنديل رئيسا للوزراء. من هذه الاسباب انه إذا غيَّره فإن ذلك قد يعد تراجعا من جانبه يشجع معارضيه على الاستقواء عليه ومطالبته بالمزيد، من هذه الاسباب أيضا انه يريد حكومة تسفر عنها الانتخابات البرلمانية ويختارها الشعب، بدلا من حكومة تتشكل فى ظل الضغوط الراهنة التى لا يعرف الوزن الحقيقى للقوى التى تقف وراءها. وكان اقتراحى أن مبادرة الدكتور هشام قنديل بتقديم الاستقالة ترفع الحرج عن الرئيس ولا تضعه فى صورة المتراجع، وفى نفس الوقت فإنها تحفظ لرئيس الوزراء كرامته، وتجعله يخرج من الوزارة مرفوع الرأس وبثقل أكبر فى نظر الناس. وذلك ينطبق على النائب العام ايضا الذى لا يستطيع الرئيس اقالته بحكم الدستور الجديد، لكنه إذا بادر بالاستقالة من جانبه فسوف يحل الاشكال ويخرج بدوره من المنصب محتفظا بقامته وكبريائه. ربما كان ذلك رأى من لا يرى جوانب أخرى من الصورة يراها الرئيس. وهو رأى قلته فى حينه ولم أعلنه لحسابات معينة لكن استقالة محافظ الاقصر شجعتنى على الجهر به، ولا اعرف إذا كان ذلك يمكن أن يسهم فى اطفاء بعض مصادر الحريق الذى نحن مقبلون عليه أم لا. لكنه على الاقل يمكن أن يضاف إلى ارشيف المرحلة، ربما افاد احدا من الباحثين فى التاريخ نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى شجاعة التراجع فى شجاعة التراجع



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon