توقيت القاهرة المحلي 22:14:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليسوا ثوارا ولا وطنيين

  مصر اليوم -

ليسوا ثوارا ولا وطنيين

فهمي هويدي

لو أن ما جرى خارج القاهرة خلال اليومين الماضيين لا يستهدف مجرد التخويف والترهيب، وانما هو نموذج أو مقدمة لما يمكن ان يحدث اليوم، فمعنى ذلك ان الثورة المصرية بصدد الدخول فى نفق مظلم يجعل من الحرب الأهلية احتمالا واردا. ورغم أن الشحن الإعلامى يبدو موحيا بذلك (إحدى صحف أمس (السبت) نشرت على الصفحة الأولى عنوانا يتحدث عن أن القتل هو الحل)، إلا أننى أزعم أن تلك نهاية مشكوك فيها، وليست حتمية بالضرورة لأن الصراع رغم احتدامه وعبثيته فى بعض الأحيان لم يصل إلى درجة الجنون. ومازلت عند رأيى فى ان المجتمع المصرى إذا كان قد فقد أشياء كثيرة خلال السنتين الأخيرتين إلا أنه لم يفقد عقله بعد. وإذا كان انفعال بعض المنتسبين إلى الثورة يدفعهم بصورة استثنائية إلى ممارسة العنف، فإن ذلك الاستثناء يصبح قاعدة فى أوساط البلطجية الذين يكتسبون «شرعيتهم» من ممارسة العنف. لذلك فإننى أكاد أجزم بأن الذين يقتلون الأشخاص ويحرقون المقار ليسوا سوى بلطجية. هواة كانوا أم محترفين. وهم يقينا ليسوا ثوارا ولا وطنيين. ليس لدى قلق من المظاهرات السلمية، لكن القلق والخوف مصدره أولئك الذين يخترقون صفوف المتظاهرين فيرشقون ويقتلون ويحرقون، ومن ثم يشيعون الفوضى والدمار ويروعون الآمنين. وهؤلاء هم البلطجية الذين تحولوا إلى ميليشيات أغلبها تابع للدولة العميقة، وقد دلت خبرتنا على ان لها فى كل مظاهرة دورا وهدفا. وأزعم أن التعويل على دورها اليوم ــ أو قل ابتداء من اليوم ــ هو أهم أدوارها على الإطلاق. لعلى لا أبالغ إذا قلت إن ميليشيات البلطجية هذه تكاد تشكل جيشا موازيا، يقال ان عدد أعضائه يتجاوز 300 ألف شخص من أرباب السوابق والخارجين عن القانون. الأهم من ذلك والأخطر ان أغلبيتهم الساحقة ــ إن لم يكونوا كلهم ــ معروفون لدى الأجهزة الأمنية. فجميعهم مروا بتلك الأجهزة أولا كمتهمين فى القضايا وثانيا كعملاء لها، ظلوا يستخدمون طوال السنوات الثلاثين السابقة فى قمع المعارضين وإفشال المظاهرات والمسيرات. حسب معلوماتى فإن أسماء أولئك الأشخاص موجودة فى أرشيف الجهاز الأمنى بكل محافظة. وقد فهمت ان جانبا من تلك القوائم تسرب ووصل إلى أيدى بعض القوى السياسية، وقيل لى انه فى بعض الحالات سلمت القوائم إلى مسئولى الجهاز الأمنى لا لتعريفهم بما يعرفون، ولكن لإبلاغهم بأنه لم يعد فى الأمر سر، ولتنبيههم إلى أن غض الطرف عن أولئك البلطجية يتعذر اقتراض البراءة فيه، ولكنه له دلالته ورسالته غير المطمئنة. فى الزمانات، حين كان يزور القاهرة ضيف أجنبى له معارضون من بنى جلدته يقيمون فى القاهرة، كانت أجهزة أمن الدولة تحتجز الأخيرين حتى تمر الزيارة بسلام. وكان ذلك مفهوما، فضلا عن انه كان ميسورا فى ظل قانون الطوارئ الذى كان مطبقا آنذاك. إلا أن ذلك يبدو متعذرا الآن بعد إلغاء الطوارئ، على الأقل فثمة خلاف بين القانونيين بخصوصه، بين قائل بحق رئيس الجمهورية فى ان يعلن الطوارئ لمواجهة ظرف معين ولمدة محددة، تحقيقا للمصلحة العامة، كما ان هناك رأيا آخر لا يجيز ذلك لرئيس الدولة بعد إلغاء قانون الطوارئ. إلا أن الأولين يردون قائلين بأنه إذا كان الدستور (فى المادة 148) قد أعطى لرئيس الجمهورية فى الظروف الاستثنائية الحق فى إعلان الطوارئ بشروط وضوابط معينة، منها ضرورة أخذ رأى الحكومة، فلماذا تغل يده فى حالة كتلك التى نحن بصددها، يفترض انها تهدد السلم الأهلى من خلال إشاعة الفوضى والخراب فى البلد؟ وإلى أن يجد أهل الاختصاص مخرجا يحل الإشكال القانونى، فإننى لا استطيع أن أفهم أن تقف الدولة عاجزة ومتفرجة على الدور المشبوه لميليشيات البلطجية المدججة بالسلاح والمال. فى حين انها تعرف أسماءهم واحدا واحدا وتعلم تمام العلم انهم سينتهزون أول فرصة لإطلاق شرارة الاشتباك وإشاعة الفوضى وإسالة الدماء فى بر مصر. سمعت من أحد القيادات السياسية انه تلقى بلاغا من مصدر له معرفة بعناصر من تلك الميليشيات ذكر فيه أن أحدهم قال فى مجلس له إنه مكلف بقتل خمسة أشخاص فى المظاهرات التى ستخرج ابتداء من اليوم. وهى رواية يصعب اثباتها حقا، إلا أن الأجواء المخيمة صارت تحتملها ولا تستبعدها. وإذا جاز لنا ان نتصارح بصورة نسبية فى هذا الصدد، فسوف تتداعى أمامنا أسئلة عديدة حول دور أجهزة وزارة الداخلية، بعد الثورة خصوصا بعد فوز الإخوان فى الانتخابات، ذلك أننا نعلم أنها محملة بما يفوق طاقتها، كما اننا نستطيع ان نعذرها فى أشياء كثيرة تتعلق بالإمكانات والكفاءات، إلا أن تسامحها مع البلطجية يبدو أمرا محيرا وباعثا على الدهشة. والأمر لا يقف عند حدود التسامح لأن بعض المحافظين الذين عينوا أخيرا لم يمكنوا من تسلم وظائفهم إلا حين تفاهموا مع مديرى الأمن من محافظاتهم، على صرف البلطجية الذين يأتمرون بأمرهم، ممن اعترضوا سبيلهم وحاولوا منعهم من الدخول إلى مكاتبهم ــ. يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليسوا ثوارا ولا وطنيين ليسوا ثوارا ولا وطنيين



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon