توقيت القاهرة المحلي 03:58:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصارحة قبل المصالحة

  مصر اليوم -

مصارحة قبل المصالحة

فهمي هويدي

أن تطلق رئاسة الجمهورية فى مصر دعوة إلى المصالحة الوطنية، فتلك رسالة جليلة لا ريب، أحد شروط نجاحها أن تتم المصالحة على أرضية المصارحة. من هذه الزاوية أزعم اننا نحتاج قبل ان نفتح الملف إلى الإجابة عن سؤالين، أحدهما مصالحة مع من؟ والثانى على ماذا؟.. إذ بغير تحرير المسألتين فإن المصالحة يتعذر الاقتناع بجدواها، وربما لقيت مصير «الحوار» الذى دعا إليه فى السابق الرئيس محمد مرسى أكثر من مرة، وغاب عنه الآخر فى كل مرة، حتى تحول فى نهاية المطاف إلى حوار مع الذات وليس حوارا مع الآخر، الذى هو الطرف الأساسى المعنى بالدعوة. أدرى أن عقدنا انفرط بدرجة أو بأخرى فى ظل الرئاسة السابقة، وان ما أصاب الجماعة الوطنية المصرية من تصدعات خلال العام المنقضى ينبغى أن يسجل ضمن سلبيات تلك الفترة، لكننى أفهم ان أكثر تلك التصدعات التأمت أو انها بسبيل ذلك فى ظل الوضع المستجد. بالتالى فلست أظن أن المقصود بالمصالحة الوطنية هو التصالح مع الليبراليين أو القضاء أو المثقفين أو الأزهر أو الأقباط أو وسائل الإعلام، فهؤلاء جميعا أصبحوا «يدا واحدة» مع قيادات القوات المسلحة ومجمل الوضع الراهن، وعند الحد الأدنى فإن أحدا لا يستطيع أن يدعى بأن هناك مشكلة حقيقية تعوق التصالح مع هؤلاء جميعا. أما المشكلة والمصالحة المطلوبة فهى مع مجمل التيار الإسلامى، وفى المقدمة منه جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة سابقا والمستهجة والمنكورة حاليا. أفهم أيضا أن المصالحة المنشودة إذا أريد لها ان تصبح خطوة سياسية إلى الأمام وليس مجرد فرقعة إعلامية، ينبغى أن تسبقها مبادرات لحسن النية واستعادة الثقة. وإذا صح ذلك فإنه يستدعى قائمة طويلة من الأسئلة، منها مثلا: كيف يمكن ان تتم المصالحة وكل قيادات الجماعة إما فى السجن أو جارٍ ملاحقتهم، فضلا عن الرئيس الذى ينتمى إليهم بدوره مسجون هو وأعوانه، لمدة مفتوحة وبتهم غير معلومة؟.. وكيف يمكن ان تتقدم المصالحة فى حين أن قتلى الإخوان ومن لف لفهم وصل عددهم حتى الآن إلى نحو 150 شخصا، قضوا فى مذبحة الحرس الجمهورى، ومقتلة ميدان النهضة بالجيزة، وصدامات حى المنيل، الأمر الذى أضاف إلى المشهد بحيرة من الدماء يتعذر تجاهلها أو عبورها؟ وهل يتوقع أحد أن تجرى المصالحة مع طرف يتعرض للتشويه يوميا فى ظل دعوات للإلغاء والإقصاء، مقترنة بالتلويح بسيل من الاتهامات التى وصلت إلى الخيانة العظمى؟.. وهل من حسن المبادرة أن يدعى طرف إلى الحوار ومنابره مصادرة، ومقاره محترقة أو مغلقة فى حين ان كرامات أعضائه وأعراضهم مستباحة لكل من هب ودب من الصائدين والكارهين والمتعصبين؟ ان دعوة الطرف الآخر للمصالحة فى ظل استمرار هذه الملابسات يتعذر أخذها على محمل الجد، ولا تفسر إلا بأحد أمرين: فإما ان تكون مجرد فرقعة إعلامية وسياسية لإيهام الرأى العام فى الداخل بأن النظام الجديد حريص على التصالح ولكن الآخرين هم الذين أعرضوا وأصروا على العناد والخصومة. واما ان يكون المراد بها إذلال الطرف الآخر وإهانته، من خلال مطالبته بأن يأتى إلى طاولة الحوار صاغرا ومنبطحا؟ وأرجو ألا يظن أحد المسألة يمكن أن تعالج بالبلاغة والإنشاء، كأن يتحدث أركان الوضع المستجد فى كل مناسبة عن ان النظام الجديد لا يقصى أحدا، إلا إذا كان المقصود أنه لن يقف عند حدود الاقصاء ولكنه لن يمانع فى الاقتلاع والإبادة السياسية. وهو ما ذكرنى بما كتبته ذات مرة فى عهد مبارك بعدما تم الاعتداء بالضرب على أحد الزملاء الصحفيين، وقلت إن الرئيس (آنذاك) قال انه لن يقصف قلم أى صحفى، ولكنه لم يقل انه لن يقصف رقبة أحد. الأمر الثانى المهم، بل الأكثر أهمية هو السؤال مصالحة على ماذا؟.. ذلك أننا بصدد أزمتين وليس أزمة واحدة. فثمة مشكلة مع الرئيس مرسى والإخوان ومشكلة أخرى تتعلق بمستقبل الوطن، والأخيرة تنصب على مصير الحلم الديمقراطى الذى بات مهددا. ومن الملفت للنظر أن الاهتمام مسلط على مشكلة النظام الجديد مع الإخوان، لكن قضية مستقبل الديمقراطية لا تلقى ما تستحقه من اهتمام، حتى من قبل أغلب الليبراليين الذين ما برحوا يعظوننا فى ضرورة الديمقراطية وأهمية احترام قيمها وآلياتها. إننا نريد مصالحة مع الديمقراطية أيضا وليس مع الإخوان فحسب. نريد ان يصبح الشعب وليس الجيش هو صاحب القرار ومصدر السلطات، نريد للجيش أن يحرس الحدود وللمجتمع أن ينهض بدوره كحارس لنظامه ومستقبله. نريد لخلافاتنا ان تحسم من خلال القانون والدستور وليس فى ظل الدبابة والمدفع. إذا أريد لدعوة المصالحة الوطنية أن تكون مقصورة على حل مشكلة الجماعة فى حين تغض الطرف عن مشكلة الوطن، فإن الاستجابة لها فى هذه الحالة تصبح مشاركة فى الإثم ونوعا من التواطؤ على مسيرة الديمقراطية فى مصر. بل أزعم انها تغدو كمينا نقع فيه وليس جسرا تعبر عليه إلى المستقبل. لا أحد يستطيع أن يرفض الدعوة إلى المصالحة شريطة أن تكون خطوة باتجاه تحقيق الحلم وليس سبيلا إلى الالتفاف عليه وإجهاضه نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصارحة قبل المصالحة مصارحة قبل المصالحة



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon