توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لنتفهم الموقف التركي

  مصر اليوم -

لنتفهم الموقف التركي

مصر اليوم

أدعو إلى تفهم الموقف التركى مما جرى فى مصر مؤخرا، بحيث نضعه فى إطاره الصحيح، قبل أن يسارع «شبيحة» الإعلام عندنا إلى إفساد العلاقة بين البلدين. وتحويل الغيوم التى تلوح فى أفق تلك العلاقة فى الوقت الراهن إلى معركة تهتك الأواصر، وتهدم ما تم بناؤه بينهما من جسور ومصالح مشتركة. إذ لم يعد سرا ان القاهرة ليست سعيدة بالتصريحات الرسمية التى صدرت فى أنقرة على لسان رئيس الوزراء ونائبه ووزير خارجيته، واعتبرت ان ما جرى فى مصر انقلاب عسكرى. وأن الدكتور محمد مرسى هو الرئيس الشرعى للبلاد. وللعلم فإن ذلك ليس رأى المسئولين الأتراك وحدهم، ولكنه رأى دول الاتحاد الأوروبى أيضا. ذلك أن هناك حساسية خاصة لدى الديمقراطيات الغربية إزاء الانقلابات العسكرية، حتى إن دول الاتحاد الأوروبى ظلت تنتقد دور العسكر فى السياسة التركية، معتبرة أن ذلك الدور يمثل إحدى العقبات التى تحول دون انضمام أنقرة إلى الاتحاد. ولئن كانت أوروبا حساسة إزاء مسألة دور العسكر فى السياسة، فإن هذه النقطة تمثل عقدة عند الأتراك بوجه أخص، حيث يعتبرون ذلك الدور بمثابة كابوس شديد الوطأة عانت منه تركيا طوال سبعين عاما تقريبا، منذ أعلنت الجمهورية فى عام 1923، ولم تتخلص منه إلا فى بدايات القرن الحالى (عام 2003) حين استصدرت حكومة حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان مجموعة قوانين حدَّت من دور المؤسسة العسكرية فى الحياة السياسية، وهو الباب الذى أغلق تماما هذه الأيام. حين وافق البرلمان التركى على مشروع قانون جديد يحصر وظيفة القوات المسلحة فى حماية الحدود ويحظر عليها التدخل فى الشأن السياسى الداخلى. فى التجربة التركية فإن تدخل الجيش فى السياسة كان بمثابة تجربة كارثية عرضت البلاد لأربعة انقلابات عسكرية، بمعدل انقلاب كل عشر سنوات تقريبا. إضافة إلى أنه أدى إلى تشويه الحياة السياسية وتقزيم الأحزاب التى أصيبت بإعاقة مزمنة جراء الوصاية التى فرضها العسكر على المجتمع، حين بسط نفوذه على مختلف الأنشطة، حتى إن الأمر تطلب إجراء تعديلات دستورية (عام 2004) لإلغاء تمثيل الجيش فى المجلس الأعلى للتعليم وفى اتحاد الإذاعة والتليفزيون. هذه الخلفية تفسر لنا رد الفعل السريع من جانب مسئولى الحكومة التركية إزاء ما حدث فى مصر. ليس فقط بسبب العقدة التاريخية التى يعانون منها إزاء الانقلابات العسكرية، ولكن أيضا لأنه ما كان لنا أن نتوقع تأييدا من جانب أنقرة لما حدث فى حين أن حكومتها تبنت موقفا حازما إزاء تدخل الجيش فى السياسة، واستصدرت قانونا بهذا المضمون فى نفس الأسبوع الذى تم فيه عزل الرئيس مرسى بواسطة قيادة الجيش. وهو ما حسم الأمر فى تركيا من الناحية القانونية حقا، لكن من الصعب القول بأنه ألغى تماما فكرة عودة العسكر للحياة السياسية من أوساط الجنرالات الذين لايزالون يعتبرون أنفسهم أوصياء على المجتمع التركى. وقد حاول نفر منهم مؤخرا (عام 2011) الضغط على حكومة أردوغان أكثر من مرة، من خلال الاستقالات الجماعية لقيادات القوات المسلحة وعملية شراء مواقع الإنترنت التى شنت حملة لتشويه حزب العدالة والتنمية، ولكن أردوغان كان فى موقف أقوى، مكنه من الصمود أمام تلك المحاولا وإفشالها. لا أحد ينكر ان السيد أردوغان بخلفيته الإسلامية له تعاطفه مع الدكتور محمد مرسى وحزب الحرية والعدالة، وقد عبر عن ذلك التعاطف فى مواقف عدة، كان من بينها تقديم قرض بقيمة 2 مليار دولار لحكومة الدكتور هشام قنديل. إلا أننى أزعم أن التصريحات التى صدرت عن رئيس الوزراء التركى بعد عزل الدكتور مرسى لم تكن متأثرة بذلك التعاطف بقدر ما كانت موجهة إلى الداخل التركى ومستهدفة تأكيد الموقف الحازم الرافض لتدخل الجيش فى السياسة. وللعلم فإن توجه أنقرة صوب مصر بدأ ينشط فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكانت مصر هى التى شجعت انضمام تركيا بصفة مراقب إلى الجامعة العربية، ورغم ما بدا من حساسية سياسية بين البلدين فإن التعاون الاقتصادى بينهما انطلق منذ تلك الفترة، حتى أصبح للأتراك فى مصر نحو 350 مصنعا يعمل بها أكثر من 50 ألف عامل مصرى (الأتراك المقيمون فى مصر والمسجلون فى سفارتهم بالقاهرة عددهم ثمانية آلاف شخص منهم 200 يدرسون بجامعاتها). إننى إذ أدعو إلى تفهم الموقف التركى وإدراك طبيعة الظروف الداخلية التى فرضته. أرجو أن نفصل بين ما هو سياسى واقتصادى (على غرار الحاصل بين تركيا وإيران)، بحيث لا تؤثر الغيوم التى ظهرت فى الأفق السياسى على العلاقات والمصالح الاقتصادية المتنامية بين البلدين، التى أوصلت حجم التبادل التجارى بينهما إلى رقم يتراوح بين 5 و6 مليارات من الدولارات، وبلغ حجم الاستثمارات التركية فى مصر أكثر من 2 مليار دولار. رجائى الأخير أن نغلب التفكير الاستراتيجى على الانفعالات والنزوات الطارئة. وأذكِّر فى هذا الصدد بأن مصر وتركيا يشكلان ضلعين أساسيين فى المثلث الذهبى الذى تحدث عنه الدكتور جمال حمدان، وذكر انه باكتمال أضلاعه ينهض الشرق الأوسط ويستعيد عافيته (إيران تمثل الضلع الثالث). وهو اعتبار جعلنى أعتبر الدعوة التى ترددت فى اتحاد الصناعات المصرية ونادت بمقاطعة تركيا اقتصاديا ردا على موقفها من الانقلاب الحاصل فى مصر، من قبيل المراهقة الفكرية والطفولة السياسية، وهو ما ينبغى أن يتنزه عنه الكبار، الذين أرجو أن نكون منهم.   نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لنتفهم الموقف التركي لنتفهم الموقف التركي



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon