توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بدعة الشرعية الشعبية

  مصر اليوم -

بدعة الشرعية الشعبية

فهمي هويدي

أفهم أن يتداول بعض اللاعبين فى الساحة السياسية المصرية هذه الأيام مصطلح الشرعية الشعبية. وأن ينطلق منه شباب الميادين لكى يسوغوا لأنفسهم ما يعن لهم من أهداف. لكن الذى لم أفهمه أن يتردد المصطلح على لسان من كان فى موقع رئيس المحكمة الدستورية، المستشار عدلى منصور الذى صار رئيسا مؤقتا للجمهورية، إذ اتكأ عليه فى خطابه الأول الذى وجهه يوم الخميس الماضى 18/7، معتبرا أن الشعب حين مارس الشرعية المذكورة فإنه أعطى العالم درسا فى الأمل. كان لدى استعداد لتفويت العبارة الأخيرة التى ذكرتنى بما قاله الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان ذات مرة عن «أستاذية العالم»، إذ لم انزعج كثيرا من فكرة الدروس التى ما فتئنا نلقيها على العالم بين الحين والآخر. فلا نحن مللنا من القيام بهذا الدور المجانى ولا العالم أعرب عن ضجره منا، فى الأغلب لأنه لم يأخذ كلامنا على محمل الجد. ناهيك عن أن الأمل موضوع الدرس الذى أشار إليه لم نر له ملامح بعد، وعلمه عند الله وعند الفريق عبدالفتاح السيسى. أما الذى تعذر علىّ تمريره وابتلاعه فهو استخدام الرئيس المؤقت لمصطلح الشرعية الشعبية، وهو تعبير إذا نطق به رجل قانون فى مثل خبرته ومقامه فذلك يعنى أنه تنكر لثقافته واستقال من وظيفته وترك منصة القضاء مؤثرا تمضية وقته على كرسى فى أقرب مقهى! إن الشرعية كما يعرفها أهل القانون تعنى اتباع ما تعارف عليه المجتمع من إجراءات ونظم للحقوق والواجبات، ولذلك فإن كل مجتمع يلتزم بتلك النظم التى تم التعارف عليها يصبح ممثلا للشرعية الدستورية. لكن خبرة الثورات التى انطلقت فى أرجاء العالم اقتضت اتخاذ إجراءات استثنائية مؤقتة لحماية الصالح العام، الأمر الذى كان وراء ابتداع مصطلح الشرعية الثورية، الذى يمكن أن يصاغ بطريقة أخرى من قبيل شرعية اللاشرعية. وقد فهم أن تلك إجراءات استثنائية مؤقتة، تنتهى بانتهاء الحالة الثورية والانتقال بعد ذلك إلى وضع الدولة التى تحكمها الشرعية الدستورية. خطورة مصطلح الشرعية الشعبية تكمن فى أمرين، الأول أنها تلغى النظم والقوانين وتطلق ما يمكن أن يسمى حاكمية الشارع، التى تمثل مغامرة كبرى تفتح الأبواب لشرور لا حدود لها. الأمر الثانى أنها يمكن أن تصبح حالة دائمة تتجاوز بكثير حدود فكرة الشرعية الثورية. بحيث يصح لأى جماعة من الناس صغرت أو كبرت أن تنزل إلى الشارع فى أى وقت لتفرض ما تشاء على السلطة والمجتمع، باسم الشرعية الشعبية، أى إنها من قبيل الممارسات السائلة، التى لا يحكمها عدد ولا زمن ولا سقف. صحيح أن الشعب مصدر السلطات. وتلك فكرة باتت مستقرة فى الثقافة الديمقراطية منذ الثورة الفرسية على الأقل. واستدعاؤها الآن بمثابة اختراع للعجلة من جديد. لأن العالم تجاوز الفكرة إلى آلياتها وطرق ممارسة تلك السلطات. بالتالى لن يضيف أحد شيئا إذا قال لنا إن الشعب هو مصدر السلطات، لأن السؤال المهم هو كيفية ممارسة الشعب لتلك السلطات من خلال الإجراءات والمؤسسات الشرعية القائمة. أما أن يتم العصف بكل ذلك بدعوى ممارسة الشرعية الشعبية فذلك جرم سياسى يصبح مضاعفا حين يصدر عن أحد من المنتسبين إلى أهل القانون. مصطلح الشرعية الشعبية باب يضفى الشرعية على الحشود التى يستخدمها البعض لتسويغ التغيير. وهو أمر خطر لا ريب، وسلاح ذو حدين. وهذه الخطورة تتضاعف حين تتعدد الحشود معبرة عن معسكرات متعارضة، الأمر الذى يمهد الطريق إلى الفتنة الكبرى المتمثلة فى الحرب الأهلية. لقد جربنا ما سمى بالشرعية الشعبية فى عام 1954 حين أطلقت فى شوارع القاهرة جموع هتفت ضد الديمقراطية وقامت بالاعتداء على رئيس مجلس الدولة آنذاك الدكتور عبدالرزاق السنهورى. وأخشى أن يعتبر البعض أن حصار الحشود للمحكمة الدستورية وقصر رئاسة الجمهورية من قبيل ممارسة تلك الشرعية المبتدعة. لقد انتهى عصر التنافس السياسى الذى يحتكم إلى الحشود، وأصبحت الصناديق هى الوسيلة التى ارتضاها العالم المتحضر لحسم التنافس بين القوى السياسية المختلفة. أما حين يخرج علينا رجل قانون مرموق ليحدثنا مجددا عن الشرعية الشعبية، فذلك من عجائب الدنيا التى تكاد تصنف ضمن علامات الساعة الصغرى.  نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بدعة الشرعية الشعبية بدعة الشرعية الشعبية



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon