توقيت القاهرة المحلي 06:56:06 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صرنا أكثر قسوة وأقل إنسانية

  مصر اليوم -

صرنا أكثر قسوة وأقل إنسانية

مصر اليوم

فوجئ صديقى الأستاذ الجامعى المخضرم بأن السفير السابق الذى يلتقيه كل صباح فى النادى الرياضى ويتجاذب معه أطراف الحديث أثناء المشى، أشاح بوجهه عنه وتجاهله. وفهم أن تلك الخصومة من آثار حوار جرى بينهما فى اليوم السابق. انتهى باختلافهما حول الدكتور محمد مرسى وما جرى معه وله. لم أفاجأ، لأننى صرت أسمع كل يوم عجبا فى هذا الموضوع. الشاب الذى فسخ خطوبته لذات السبب، والرجل الذى طلق زوجته، والشقيق الذى قاطع شقيقه. وطبيب القلب الشهير الذى سمع جلبة وصياحا فى عيادته، وحين خرج ليستطلع الأمر اكتشف أن الجالسين اشتبكوا فيما بينهم لأن بعضهم ناصر الدكتور مرسى والبعض الآخر عارضه. وكان أغرب ما سمعت ان مهندسا من عائلتى كانت له حقوق مالية لدى أحد عملائه، ولكن الرجل امتنع عن أدائه حقه. متعللا بعدم رضائه عما اكتبه عن موقف قيادة الجيش إزاء الدكتور مرسى! القصص التى من ذلك القبيل كثيرة، لدرجة اننى ما أصبحت التقى أحدا إلا وروى لى بعضا منها، حتى أزعم أننا بصدد ظاهرة عامة تعيشها مصر بعد الثورة، تعمق فيها الاستقطاب والخلاف السياسى، مما خلف حالة من المرارة والكراهية لدى المعسكرين المتنازعين، حتى أصبح كل طرف مشغولا بإقصاء الطرف الآخر وإلغائه من الحياة السياسية، على نحو يذكرنا بأجواء ثلاثينيات القرن الماضى حين انقسمت مصر فى موضوع مفاوضات الجلاء بين سعد زغلول وعدلى يكن (كل منهما «باشا») ــ حتى انتشرت حينذاك مقولة إن الاحتلال على يد سعد خير من الاستقلال على يد عدلى: ليست المشكلة فى الاختلاف أو حتى الانقسام، فذلك مما تشهده وتحتمله الممارسات الديمقراطية فى أى مكان فى العالم. ولكن المشكلة تكمن فى تحول الخلاف إلى شقاق وكراهية تؤدى إلى تمزيق الأواصر وتشويه العلاقات الإنسانية بما يجعل الناس أكثر قسوة وأقل إنسانية وأبعد ما يكونون عن المودة والتراحم. أزعم أن ذلك أمر طارئ وعابر فى مصر، وأتصور أن ثمة فريقا ثالثا بين الفريقين المتصارعين، لا هو متحمس للدكتور مرسى ولا هو مؤيد للانقلاب أو لقيادة الجيش، وإنما هو يضم ملايين من الذين يريدون أن يعيشوا بعيدا عن السياسة فى سلام وأمان، وهم مشغولون بلقمة العيش ومواجهة أعباء الحياة وليسوا معنيين كثيرا بصراعات أهل السياسة فى القاهرة. مع ذلك فلا يستطيع أن ينكر أحد أن قطاعات أخرى واسعة من المصريين أصبحت منخرطة فى السياسة بصورة أو أخرى. وهؤلاء صوتهم عال وجرأتهم لا سقف لها. وهم الذين يهيمنون على الفضاء المصرى الآن، وحشودهم تتوزع على الجانبين المتعاركين. وهؤلاء ضحايا رياح الكراهية المسمومة التى هبت على مصر وفعلت ما فعلته فى تمزيق أواصر الناس وتراجع منسوب الإنسانية فى معاملاتهم. السؤال الذى تستدعيه هذه الخلفية هو: ما الذى جرى للمصريين حتى تم تشويههم إلى ذلك الحد؟ ناقشت الدكتور على ليلة أستاذ علم الاجتماع المسألة. ومما قاله ان الجماهير المصرية كانت لها طموحات كثيرة بعد الثورة، ولكن الأداء السيئ للرئاسة والحكومة أصابها بإحباط شديد أثار غضبها ونقمتها. أضاف أن الإخوان بدورهم لم يطوروا أفكارهم ولم ينجحوا فى التواصل مع المجتمع الغاضب مما أسهم فى تراكم الاحتقان. ساعد على ذلك ان المجتمع المدنى المصرى لم يكن مهيأ للتفاعل مع النخب الجديدة التى ظهرت فى وجود الإخوان بالسلطة (السلفيون مثلا). فانضاف الخوف إلى الاحتقان. وهى المشاعر السلبية التى غذتها التعبئة الإعلامية التى لم تكف عن التشويه والتحريض طول الوقت، ووافقنى على أن جموع المصريين الذين دخلوا إلى السياسة أفواجا بعد الثورة، بعدما اعتزلوها لأكثر من ثلاثة عقود هم أبرز ضحايا ذلك التسميم الإعلامى. إضافة إلى ان الجميع لم تكن لديهم خبرة بقيم ثقافة الاختلاف. وذلك يسرى على النخب السياسية التى لم يتح لها ان تتحصل على تلك الخبرة بسبب الأجواء غير المديقراطية التى تشكلوا فى ظلها. لست أشك فى ان المناقشة الأوسع للظاهرة بين أهل الاختصاص يمكن ان تضيف إجابات أخرى فى تحليل تلك الظاهرة الشاذة والمحزنة. بما قد يساعدنا على ان نختلف دون أن يكره بعضنا البعض ونتقاتل، كى يصبح الاختلاف تعبيرا عن الحيوية والثراء، ولا يغدو نقمة أو لعنة تحل بالمجتمع فتنهكه وتبدد طاقاته وتورده موارد التهلكة. ذلك اننا نرجو للديمقراطية الوليدة ان تكون خطوة إلى الأمام وليس ردة إلى الوراء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صرنا أكثر قسوة وأقل إنسانية صرنا أكثر قسوة وأقل إنسانية



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon