فهمي هويدي
ذكرت المفوضية الأوروبية فى القاهرة أن زيارة السيدة كاثرين آشتون للقاهرة استهدفت التشاور حول معالجة «الانسداد السياسى» الحاصل فى مصر. وهى ذات المهمة الذى جاء من أجلها وفد الاتحاد الأفريقى برئاسة ألفا كونارى رئيس مالى السابق. وكان قد سبقه الوزير البريطانى المختص بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبعد الزيارة التى قام بها وزير خارجية ألمانيا، سيصل إلى القاهرة هذا الأسبوع لذات الغرض مبعوثان للرئيس أوباما، وهما من أعضاء الكونجرس، أحدهما السناتور جون ماكين المرشح الرئاسى السابق.
حتى الآن لم نتلق أية تفاصيل حول مهمة السيدة آشتون مسئولة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، التى زارت الدكتور محمد مرسى فى محبسه وأمضت ساعتين معه، لم يذكر أى شىء عما جرى فيهما. وكانت أول مسئول أجنبى يلتقيه، فيما هو معلن على الأقل، فى حين لم يسمح لأسرته أو لمحاميه أو لطبيبه المعالج بزيارته.
إلا أنها ذكرت لمن التقتهم من السياسيين أنها جاءت بدعوة من الطرف الآخر، الذى فهم أنه نائب رئيس الجمهورية الدكتور محمد البرادعى، وقد اشترطت لقاء الدكتور مرسى واقترح سفير الاتحاد الأوروبى فى القاهرة أن تزور أيضا مرشد الإخوان الدكتور محمد بديع. وتم ترتيب اللقاء الأول، فى حين اعتذر الدكتور بديع عن عدم اللقاء، وأبلغ من اتصل به بأن الأمر يخص وضع الدكتور محمد مرسى، وهو الذى يقرر بشأنه ما يراه مناسبا. وليس صحيحا أنها طلبت مقابلة المهندس خيرت الشاطر، كما ذكرت بعض الصحف المصرية.
أهم ما أعلن فى ختام الزيارة أن السيدة آشتون أكدت أهمية التئام جميع الفصائل السياسية فى مصر حول طاولة حوار، لوضع خريطة طريق للمستقبل، توقف العنف وتفتح الأبواب للاستقرار والسلام. ثم إنها ذكرت أن وفدا يمثل الاتحاد الأوروبى سيبقى فى مصر لمتابعة الجهود التى تبذل فى هذا الصدد، وأبدت استعدادا للعودة إلى القاهرة مرة ثالثة لدفع تلك الجهود وإنجاحها.
أهم ملاحظة يستخلصها المرء من المشهد أن الدول الغربية والأفريقية (لا تسأل عن الدول العربية) هى التى تتحرك فى الفراغ المخيم، استشعارا منها أن ثمة أزمة سياسية فى مصر يتعين حلها.
وهى لا تقف على الحياد فى ذلك، لأنها تنطلق من الأمر الواقع الذى استجد بعد 30 يونيو. وتحاول التشاور حول إمكانية التوصل إلى حل سياسى لتسويغ الوضع الجديد بما يحفظ له الاستمرار والاستقرار.
وفى الوقت الذى يبذل فيه الغربيون والأفارقة (وفدهم التقى الدكتور مرسى) هذا الجهد فإننا نجد أن الموات يهيمن على الساحة السياسية المصرية. حيث لا نكاد نرى أى جهد يبذل من جانب القوى السياسية المختلفة لمعالجة الأزمة، كما اننا نلاحظ أن الأطراف الواقفة على رصيف السياسة تزايد فى الحديث عن الاقتلاع والإقصاء وتعتبر الكلام عن المصالحة منكرا والإشارة إلى التوافق الوطنى انتكاسة وعودة إلى الوراء.
تبقى بعد ذلك نقطتان هما: أن هناك أمرا واقعا بعد 30 يونيو لا يستطيع أحد أن يتجاهله، لكن أيضا هناك أزمة سياسية فى مصر لا ينبغى إنكارها. ونحن ندفن رءوسنا فى الرمال إذا أصررنا على تلك الأفكار، ولجأنا إلى مصادرة الأخبار وحجب الصور وقمع الرأى الآخر، أو منع بعض القنوات التليفزيونية أو التشويش على محطة الجزيرة مباشر.
ومن ثم أوهمنا أنفسنا بأنه لا توجد أزمة سياسية فى مصر. (أحد كتاب الأعمدة تساءل يوم الخميس الماضى قائلا: من قال إن فى مصر انسدادا أصلا؟).
النقطة الثانية أن الأزمة الراهنة لا حل أمنيا لها. ولا بديل عن الحل السياسى. إذ بوسع الأجهزة الأمنية أن تستمر فى استعراض عضلاتها بالتوسع فى الاعتقالات وتلفيق التهم. وافتعال الصدامات وبلاغات التعذيب، وقد تلجأ إلى السلاح والقنص. الذى راح ضحيته حتى الآن نحو 300 قتيل وأكثر من ثلاثة آلاف جريح، لكن ذلك كله لن يحل الإشكال وإنما سيزيده تعقيدا.
لأن هذه الإجراءات تولد ثأرات ومرارات وتريق دماء تؤجج المشاعر وتجعل الناس يزدادون إصرارا وعنادا، خصوصا إذا أدركوا أنهم ضحايا الظلم والافتراء.
إذا سألتنى ما العمل؟ فردى أستعين فيه بالمثل القائل بأن من استحضر العفريت عليه أن يصرفه لا أن يقتله، لأنه سيفاجأ بظهور ألف عفريت آخر بدلا منه.
نقلاً عن جريدة " الشروق"