توقيت القاهرة المحلي 07:02:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دم المصريين الرخيص

  مصر اليوم -

دم المصريين الرخيص

فهمي هويدي

لو أن مواطنا بريئا وحسن النية يتابع أخبار مصر من الخارج قرأ تصريحات الدكتور حازم الببلاوى التى أعلن فيها رفض المصالحة ومصافحة الذين تلوثت أيديهم بالدماء، فاننى لا استبعد ان تدفعه براءته إلى إحسان الظن به، متصورا انه سوف يلحق بالدكتور محمد البرادعى، ويعلن استقالته إعرابا عن رفضه فض الاعتصام بالقوة، ومن ثم رفضه مصافحة الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، باعتبارهما مسئولين عن قتل أكثر من ألف مواطن مصرى حتى الآن، وجرح أكثر من أربعة آلاف. وربما شجعه على ذلك الظن أن الدكتور الببلاوى سبق أن استقال من حكومة الدكتور عصام شرف احتجاجا على قتل بعض الأقباط فى أحداث ماسبيرو. وإذا ما قيل لصاحبنا هذا ان رئيس الوزراء شكر الرجلين واثنى على دور رجال الشرطة كما قدم عزاءه لأسر شهدائهم الذين بلغ عددهم نحو ستين شخصا، فأغلب الظن أنه سيبدى دهشته ويتساءل: ماذا عن دماء الألف الآخرين؟ هذا السيناريو ليس كله افتراضيا، لأنه من وحى الأجواء الراهنة التى يذكر فيها شهداء الشرطة بخير يستحقونه لاريب، إلا انه يتم تجاهل الألف مواطن الذين قتلوا خلال الأسبوع الأخير، وحين تطرق وزير الداخلية إلى الموضوع فى مؤتمره الصحفى فإنه اعتبر الأولين شهداء لكنه تحدث عن الآخرين بحسبانهم موتى. ولم يذهب إلى ما ذهب إليه آخرون ممن اعتبروا ان هؤلاء الاخيرين مصيرهم الجحيم!الخلاصة التى يخرج بها المرء من هذا المشهد ان الدم المصرى عند أركان السلطة القائمة ليس شيئا واحدا، بحيث انه إذا كان كل المصريين مواطنين، إلا أنهم ليسوا سواء، فهناك مواطنون مرضى عنهم من ذوى الدم الغالى، وهناك آخرون من المغضوب عليهم دمهم رخيص. وهذا بدوره ليس افتراضا أو افتراء، لأن أحد الصحفيين كتب قائلا انه ليس كل دم المصريين واحدا، لأن دمهم ــ يقصد الإخوان ــ صار ملوثا بحكم انتمائهم، وبالتالى فإنه لم يعد فى صفاء وطهارة دماء بقية المصريين مثل هذا الكلام الذى يردد خطاب النازيين يمر على كثيرين ويقبل به وربما أيده البعض، دون إدراك خطورته أو مآلاته، خصوصا تأثيره على التعايش والسلم الأهلى، ثم اننى لا أعرف بالضبط صداه فى أوساط ذوى الدماء الملوثة حين يريدون أن يستردوا اعتبارهم ويدافعوا عن وجودهم أفهم ان شيطنة المخالفين مطلوبة فى الوقت الراهن ليس فقط لإقصائهم وإخراجهم من الحياة السياسية، وانما أيضا لتبرير اجتثاثهم واقتلاعهم من الواقع المصرى. إذ حين يتظاهر أولئك المخالفون أو ينظمون اعتصاما سلميا فإنه يصبح مطلوبا اتهامهم بالإجرام والإرهاب وممارسة القتل والتعذيب وحيازة الأسلحة الثقيلة والكيماوية وغير ذلك، باعتبار ان الترويج لمثل هذه الشائعات يوفر الغطاء السياسى والقانونى للتعامل معهم بقوة السلاح، لأنه فى هذه الحالة يصبحون فى مواجهة حالة جنائية وليست سياسية، لكن الغلو فى هذا الاتجاه إلى الحد الذى تجرح فيه قيمة المواطنة لدى المخالفين يزرع بذور فتنة كبرى تفتح الباب لشرور لها أول له ولا آخر ان الدعايات المسمومة التى يروج لها داخل مصر لتمزيق أواصر المجتمع والنيل من إنسانية بعض مكوناته تقابل بالدهشة من جانب السياسيين الغربيين الذين يتوافدون على القاهرة هذه الأيام. ومن يقرأ التقرير الذى نشرته جريدة نيويورك تايمز يوم السبت 17 أغسطس الحالى، وأعده ثلاثة من كبار محرريها، يلحظ تلك الدهشة والاستغراب من المنطق الذى يتحدث به مع الأجانب بعض كبار المسئولين المصريين هذه الأيام، وهو منطق اعتبروه «كارثيا». وقد روى أولئك الصحفيون كيف أن واحدا من أولئك «الكبار» حث ضيفا أمريكيا قدم إلى مصر مؤخرا على عدم مخاطبة الإخوان بحجة انهم لا يحترمون القانون. فما كان من الضيف  الأمريكى إلا أن قال له انه ليس بوسعك أن تحاضرنى فى القانون لأنك توليت منصبك من خارج القانون ولم تأت بك أصوات الناخبين ان غرور القوة وحسابات اللحظة التاريخية التى جعلت المسئول لا يرى أبعد من موضع قدميه تكون أحيانا على حساب المشاعر الإنسانية التى ينبغى ألا يتخلى عنها العقلاء والراشدون، الأمر الذى يدعونا إلى تذكيرهم بأنه ليس المهم أن يكون الشخص مؤيدا أو معارضا، وإنما الأهم ان يظل فى كل حالاته إنسانا له الحق فى الكرامة، حتى إذا أجهض حقه فى الحلم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دم المصريين الرخيص دم المصريين الرخيص



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon