توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن السياحة السياسية

  مصر اليوم -

عن السياحة السياسية

فهمي هويدي

إذا استمر إرسال الوفود المصرية إلى الخارج بدعوى مخاطبة الرأى العام الغربى بالوتيرة الحاصلة الآن، فأخشى أن تتفوق تلك السياحة السياسية، على سياحة القادمين من الخارج. بحيث قد يزيد عدد الوفود المصرية المسافرة إلى عواصمهم على عدد الوفود القادمة إلى شواطئنا. قد لا تخلو الملاحظة من مبالغة، لكنها تعبر عن الغيظ والاستياء إزاء تفشى تلك البدعة الجديدة التى ظهرت فى الفضاء المصرى هذه الأيام. وفى العادة فإن البداية تتمثل فى الغضب والإحباط الذى ينتاب أركان النظام الجديد حين يتلقون التقارير التى تتحدث عن تراجع صورة الثورة المصرية فى الخارج بعد الانقلاب الذى وقع فى الثالث من يوليو الماضى، وانتقاد بعض السياسيين والإعلاميين الأجانب للأحداث التى أعقبت الانقلاب. بدءا بحل مجلس الشورى وتجميد الدستور وانتهاء بالإضرابات والاعتصامات التى قوبلت بقمع الشرطة الذى أوقع آلاف القتلى والجرحى. فى مواجهة تلك الانتقادات فان إعلامنا الهمام يقوم بدوره فى تجميل الصورة والتنديد بالإرهاب الذى يهدد مصر، واتهام وسائل الإعلام الغربية بالتحيز والأخونة والتآمر لضرب استقرار مصر وتقسيمها. ويزايد البعض فى ذلك إلى حد الترويج لبعض الخزعبلات والادعاءات المضحكة التى لا تنطلى على أحد، من قبيل ان الرئيس أوباما يتعاون مع التنظيم الدولى للإخوان فى الحملة على النظام المصرى، ومنها أن شقيق الرئيس الأمريكى يتعاون مع الخلايا الإخوانية ويدعمها، ومنها أن ثمة مؤامرة غربية لغزو مصر. بطبيعة الحال فإن مثل هذه الحملات التى توجه إلى الداخل لا تغير من مواقف الإعلام أو السياسيين الغربيين. ويبدو أن البعض يعتبر ذلك مفاجأة، ولا يخطر على باله أن أغلب السياسيين والإعلاميين هناك يعبرون عن قناعاتهم التى قد تتفق أو تختلف مع المواقف الرسمية لحكومات بلادهم. إزاء ذلك يتنافس الناصحون فى اقتراح مقارعة أولئك الغربيين فى عقر دارهم، وإفحامهم هناك بمختلف اللغات الأجنبية التى يجيدونها، استنادا إلى منطق العسكريين القائل بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع. لا يستغرق الأمر وقتا حتى يصدر القرار وتعلن الأسماء وتنطلق الوفود لأداء الواجب المقدس فى مختلف العواصم الغربية (لاحظ أن أحدا لا يأتى على ذكر الشرق). وسط ذلك الحماس الذى يدعى الدفاع عن سمعة مصر وكرامتها المهدرة فى الصحافة الغربية، ينسى المسئولون أن لمصر سفارات فى الخارج وأن تلك السفارات تحفل بالدبلوماسيين والملحقين فى مختلف التخصصات، وأغلبهم يتمكنون من ذات اللغات التى يجيدها المسافرون. وما لا يقل عن ذلك أهمية أن الدبلوماسيين المصريين العاملين فى العواصم الأوروبية لهم صفة بوسعهم أن يخاطبوا الآخرين على أساسها. أما أولئك الموفدون الذين يقع عليهم الاختيار فإنهم لا يمثلون أحدا، وغاية ما يمكن أن يقال عنهم إنهم أشخاص محترمون ــ ربما ــ يجيدون اللغات الأجنبية، ثم إنهم من المحظوظين المرضى عليهم من جانب الحكومة والأجهزة الأمنية، فلا هم منتخبون ولا هم يمثلون هيئات لها اعتبارها فى المجتمع. ينسى الذين يبعثون بتلك الوفود أيضا أن العواصم الغربية المعنية بالوضع فى مصر لها سفارات فى القاهرة وشغلها الشاغل هو تتبع كل شىء فيها والاستماع إلى مختلف وجهات النظر المطروحة فى الساحة، وهؤلاء يطلعون حكوماتهم أولا بأول على ما يجرى فيها، وبناء على تلك التقارير ترسم الحكومات سياساتها مهتدية بمصالحها واستراتيجياتها، وهم ينسون أيضا أن القاهرة تزخر بالإعلاميين الغربيين (لا تسأل عن الجواسيس) وهؤلاء يسجلون ما يشاهدونه ويبعثون به إلى الجهات التى يمثلونها. وهم فى ذلك ليسوا منحازين إلى طرف فى مصر، ولكن انحيازهم الأصلى للحقيقة وللمهنة التى يمتهونها ولمصالح بلادهم. وقد يكون لبعضهم أهواء وحسابات خاصة، ولكن ذلك يعد استثناء وليس قاعدة، ولذلك لا يقاس عليه. الأهم من كل ذلك أن الذين يتحمسون لإرسال الوفود يتجاهلون أن الجهد الحقيقى لتحسين الصورة ينبغى أن يبذل داخل مصر أولا وليس خارجها. لأن النموذج الصحيح الذى يقام فى داخل البلد، وثبوت احترام الحريات وحقوق الإنسان، هو الوسيلة المثلى لتحسين سمعة أى بلد فى الخارج. بالتالى فإن صور المعتقلين المحترقين فى سيارة الترحيلات أو الجثث المتناثرة فى ميدان رابعة العدوية تشوه سمعة مصر فى أنحاء العالم، على نحو تفشل فى علاجه ألف بعثة لوجهاء القوم الذين يجيدون اللغات الأجنبية. إن تحسين الصورة لا يمكن له أن يتحقق إلا إذا تم تحسين الأصل، وذلك ليس اكتشافا لأن أجدادنا قالوا منذ زمن بعيد ان جهد «الماشطة» يعجز عن أن يغير شيئا أمام الوجه العكِر. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن السياحة السياسية عن السياحة السياسية



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon