توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى مقام الرثاء والإعذار

  مصر اليوم -

فى مقام الرثاء والإعذار

فهمي هويدي

هذه لحظة حزينة وبائسة فى تاريخ العرب. أن يترقب الجميع ويرحبون بانطلاق طائرات حلف الناتو من قواعدها لتقصف دمشق أملا فى إسقاط نظامها الوحشى. الأمر الذى يضعنا أمام جريمتين لا جريمة واحدة. جريمة إقدام الغرب على إسقاط نظام عربى، وجريمة حفاوة العالم العربى بتلك الخطوة. والثانية أخطر من الأولى، لان عدوان الغرب ليس جديدا ولا يفاجئنا كثيرا، لكن الحفاوة العربية بالعدوان هى التى تصدمنا. ذلك انها تكاد توحى لنا باننا بصدد عرب من جنس آخر غير الذى نعرفه. عرب تشوهوا حتى صاروا كائنات أخرى غير التى قرأنا عنها فى مؤلف ابن حجر الهيتمى «مبلغ الأدب فى فخر العرب» وكتاب مرعى الحنبلى «مسبوك الذهب فى فضل العرب». لست فى صدد اللوم والاتهام، ولكنى فى مقام الاعذار والرثاء لما آل إليه حال الأمة، والنقمة على بشاعة الاستبداد الذى أوصلنا إلى تلك الحالة، حتى أصبحت شعوبنا تفضل هوان الترحيب بالعدوان الغربى على عذاب ومذلة البقاء فى ظل الحكم الوحشى. وصار خيارنا محصورا بين تعاستين. وعذابات السوريين من نوع خاص يفوق قدرة البشر على الاحتمال. وحين نلاحظ ان تلك العذابات التى بلغت حد الإبادة تدخل الان عامها الثالث، فان ذلك يصور لك فظاعة وقسوة الجحيم الذى عاش فى ظله الشعب السورى خلال تلك الفترة. الظلم الذى استشرى وتوحش لم يدمر مجتمعاتنا فحسب، ولكنه شوه ضمائرنا أيضا حين سحق إنسانيتنا وداس على كبريائنا حتى صرنا نلتمس الخلاص على أيدى من يوالون أعداءنا ولا يتمنون الخير لنا، فاستبدلنا ذلا بذل. السوريون معذورون. صار أملهم فى البقاء على قيد الحياة معلقا على غارات حلف الناتو. ورسائل المقاومين هناك ظلت تلح فى دعوة واشنطن إلى التدخل أسوة بما حدث فى العراق وأفغانستان. وفى الأخبار الأخيرة ان قيادة المقاومة سلمت حلف الناتو قائمة بالأهداف التى يتعين قصفها وتدميرها فى سوريا. الإدارة الأمريكية ظلت تتمنع إلى ان استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوى فى «الغوطتين» وحينئذ أعلنت واشنطن ان ذلك السلاح يمثل خطأ أحمر وان صبرها قد نفد. قتل أكثر من مائة ألف سورى وتهجير أربعة ملايين وتدمير أهم معالم البلد، ذلك كله كان يمكن ان يمر، ولم يمثل فى نظرهم تجاوزا للخط الأحمر. لان الأقطار العربية أماتت السياسة وخاصمتها، فان الحل السياسى للأزمة السورية صار أضحوكة، فلا نظام دمشق قبل به ولا لجنة الجامعة العربية كانت جادة فيه. من ثم فإن المراهنة الحقيقية ظلت محصورة فى التدخل الغربى إما بتوفير السلاح أو باستخدامه. الأخطر من ذلك ان الشعوب العربية انصاعت وسارت فى الركب، تحولت بين متفرج على ما يجرى ومهلل له. هذه الشعوب التى كانت تخرج غاضبة وهادرة فى الستينيات معلنة الرفض والتحدى للوصاية والتآمر الغربى، تحولت إلى قطعان من الحملان المستكينة والوادعة. كنا فى الماضى نتحدث عن أنظمة مهزومة وشعوب حية. لكننا اكتشفنا فى نهاية المطاف اننا صرنا بإزاء أمة مهزومة، سكتت على ما يجرى فى فلسطين ولم يعد يستفزها التوحش الإسرائيلى والتغول الاستيطانى ولا اجتياح قطاع غزة إلى ان بات التنسيق الأمنى ضد المقاومة بين رام الله وتل أبيب من قبيل التعاون مع الدول «الصديقة». قصم ظهر السودان بالانفصال، ولم تتوقف مساعى تمزيقه، وظل العالم العربى ساكنا يتفرج. جرى احتلال العراق وتدميره ولم نغادر مقاعد المتفرجين. عربدت طائرات «درون» (التى تعمل بدون طيار) فى سماء اليمن واستباحت فضاءها الذى وزعت فيه الموت بغير حساب، ولم يغضب ذلك لا حكومة اليمن ولا أمة العرب. وبعدما انتشرت القواعد العسكرية فى ربوع العالم العربى، وصارت مطارات العرب وبحارهم فى خدمة الأهداف والخطط العسكرية الأمريكية، فقد صارت الإجابة حاضرة وبليغة على سؤال نزار قبانى فى قصيدته الشهيرة: متى يعلنون وفاة العرب؟ تحدث عبدالرحمن الكواكبى فى كتابه طبائع الاستبداد عن التدمير الذى يحدثه الظلم فى حياة المجتمعات، فيشيع بين الناس «الخصال الملعونة» ويدفعهم إلى «التسفل»، وذلك نتاج طبيعى لسلوك المستبدين الذى يطيح بالقيم النبيلة ويقيم بدلا منها نموذجا للبطش والفساد. ومن هذه الزاوية يقدم لنا الكواكبى تفسيرا للخنوع والانبطاح الذى نشهده فى العالم العربى. لكننى لا أستطيع أن اتجاهل فى هذا السياق الاثر الذى أحدثه غياب مصر عن الساحة العربية وتقزيم دورها خلال العقود الأربعة الماضية. وهو ما حول العالم العربى إلى جسد بلا رأس وسفينة بلا ربان، الأمر الذى أسهم بقسط كبير فيما وصلنا إليه الآن من تيه وانكسار ــ والله أعلم. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى مقام الرثاء والإعذار فى مقام الرثاء والإعذار



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon