توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس كل ثرثرة حوارًا

  مصر اليوم -

ليس كل ثرثرة حوارًا

فهمي هويدي

الحوار نوعان، واحد لكى تتعرف على الرأى الآخر والثانى لكى تهرب منه. والأول يتم مع المخالفين أما الثانى فهو الذى يجرى مع الموافقين ويتجنب اللقاء مع المخالفين. الأول يحقق الانفتاح ويستهدف تصويب المسيرة وإثراءها والعين فيه على مصلحة الوطن، أما الثانى فيكرس الانكفاء ويستهدف التجمل السياسى والعين فيه على وسائل الإعلام. أقول ذلك بمناسبة الأخبار التى تنشرها وسائل الإعلام المصرية عن حوارات انطلقت من رئاسة الجمهورية ويجريها المستشار الصحفى للرئيس مع «القوى» السياسية. ورغم ان تغريدات عدة انتقدت قيام المستشار الصحفى للرئيس بإجراء حوارات سياسية، فى الوقت الذى يعقد فيه المستشار السياسى للرئيس مؤتمرات صحفية، إلا أننى لن أتوقف عند هذه المفارقة، لأننى معنى بما هو أهم منها. ذلك ان توزيع الاختصاصات والصلاحيات يظل شأنا داخليا فى الرئاسة، ولكن مباشرة تلك الصلاحيات هى التى تهمنا، لن أتوقف أيضا حتى لا نذهب بعيدا عن مقصود الكلام عند مدلول «القوى» السياسية لأن بعض المنتسبين إلى تلك القوة من نماذج الضعف والهشاشة السياسية. حتى الآن التقى المستشار الصحفى للرئيس أحمد المسلمانى مع قيادات ثلاثة أحزاب من الموافقين، ولم نسمع انه فكر فى لقاء واحد من المعارضين. وهذه المعلومة إذا صحت فإنها تكرر مشهد حوارات الرئيس السابق محمد مرسى مع مؤيديه التى قاطعها المعارضون، وكانت النتيجة انه استمع إلى من زايد على تأييده ولم يتح له ان يستمع إلى معارضيه الذين ربما جنبه حضورهم والاستماع إلى أصواتهم المصير الذى انتهى إليه. وليس ذلك هو الدليل الوحيد على ان التاريخ يكرر نفسه أحيانا لأننا نشاهد هذه الأيام قرائن أخرى تؤيد فكرة استنساخ التاريخ، إذ إلى جانب الحوار مع الموافقين فإن فكرة «الأخونة» التى راجت فى عهد الدكتور مرسى (لاحظ أنها انتقلت من أخونة الدولة إلى أخونة السجون والمعتقلات) جرى استنساخها فى الوضع المستجد. حيث أصبحت الاختيارات الجديدة تدور كلها فى فلك اللون الواحد. وإذا جاز ذلك وأمكن احتماله فى بعض التشكيلات الإدارية فإنه لا يجوز ويتعذر القبول به حين يتعلق بعملية تعديل الدستور أو وضع دستور جديد. لا يغير من هذه الحقيقة ان التشكيلات الجديدة تضم عناصر لها انتماؤها الإسلامى تاريخيا، إلا أنها صارت من خصوم ذلك التيار، ووقوف تلك العناصر إلى جانب الوضع المستجد، يعنى أنها لم تعد تعبر فى شىء عن الرأى الآخر. إننا إذا نظرنا فى عمق المهشد فسندرك أن ذلك الوضع الذى ننتقده له ما يبرره. ذلك أن الأجواء الراهنة ليست مهيأة لإجراء حوار حقيقى، بقدر ما انها ليست مهيأة للمصالحة الوطنية. ومن يقرأ الصحف أو يتابع برامج وحوارات التليفزيون يقتنع بأن فى مصر حربا أهلية ضد الإخوان خصوصا والتيار الإسلامى بوجه عام. فعملية شيطنة الآخر فى ذروتها، وعناوين الصحف لا تتحدث إلا عن الاعتقالات والاشتباكات والإحالات لمحاكم الجنايات إلى جانب المؤامرات والمظاهرات ــ وذلك مناخ لا يوفر أى فرصة لإجراء حوار حقيقى مع الآخر، ويصبح الكلام عن المصالحة فى ظله من قبيل الثرثرة وفض المجالس التى تخاطب وسائل الإعلام ولا علاقة لها بمستقبل الوطن. لن اختلف مع من يقول ان ذلك كان شأن الحوار فى عهد الدكتور مرسى، لكننى أنبه إلى فارق جوهرى بين الحالتين، ذلك أن الصراع بين القوى السياسية فى العهد السابق كان حول الأنصبة والأدوار اتهم فيه الإخوان بإقصاد الآخرين. الأمر الذى يدعونا إلى وصفه بأنه كان صراع حدود إذا استخدمنا المصطلح الشائع. لكنه فى الوقت الحالى صار صراع وجود، انتقلنا بمقتضاه من حالة الإقصاء إلى طور الاقتلاع والإلغاء. الحاصل الآن فى مصر يذكرنا بخبرة الحوارات الفلسطينية. ذلك ان الساحة الفلسطينية تعج بتلك الفصال التى بلغ مجموعها 25 فصيلا تقريبا، منهم 13 أعضاء فى منظمة التحرير أشهرها «فتح»، وعشرة تشكلت خارجها وتقف فى صف المعارضة التى ترفع لواءها حركة حماس مع الجهاد الإسلامى. والحركتان الأخيرتان تمثلان القيادة الحقيقية للمقاومة الفلسطينية التى تشارك فيها مجموعات أخرى أقل شهرة. والعارفون بالشأن الفلسطينى باتوا يعرفون جيدا ان أية حوارات حول المصالحة أو غيرها من الملفات العالقة لن يكتب لها النجاح إلا إذا كانت حماس والجهاد طرفا فيها. وأى جهد يبذل خارج هذا الإطار يعد من قبيل مضيعة الوقت ولا طائل من ورائه. هذه الخبرة تنبهنا إلى ان الحوارات الجارية ــ التى تتعلق بالمصالحة الوطنية فى مصر على الأقل ــ ستظل بلا جدوى طالما انها لم تخاطب الطرف الآخر الذى بات يمثله التحالف الوطنى للدفاع عن الشرعية فى مصر. وأذكر مرة أخرى بأن المصالحة لا تتحقق فقط بمخاطبة العنوان الصحيح، وانما هى تتطلب أيضا توفير الأجواء المواتية. وما لم يحدث ذلك فإن الكلام عن المصالحة سيظل من قبيل الثرثرة السياسية التى تستهلك الوقت والطاقة بلا طائل. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس كل ثرثرة حوارًا ليس كل ثرثرة حوارًا



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon