توقيت القاهرة المحلي 15:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تفويض وتفويض

  مصر اليوم -

تفويض وتفويض

فهمي هويدي

لا أحد يستطيع أن يدافع عن الضربة العسكرية المفترضة التى تستهدف سوريا، حتى إذا كانت عملا شريرا موجها ضد نظام شرير. لكنى مع ذلك لا أستطيع أن أخفى تقديرا وإعجابا بالأسلوب الذى توخاه الرئيس الأمريكى، والتمس فيه «تفويض» ممثلى الشعب ومساندته له فى اتخاذ تلك الخطوة. أدرى أن جاذبية الوسيلة لا ينبغى لها أن تشفع أو تغفر قبح الغاية، لكنك قد تعذرنى إذا لم أستطع أن أكتم إعجابى بالطريقة التى اتبعت للحصول على التفويض، ليس فقط لأن كراهيتك لخصمك لا ينبغى أن تمنعك من تقدير إيجابياته، على الأقل لكى تتعلم منها، ولكن أيضا لأن لنا فى مصر خبرة أخيرة فى مسألة التفويض، ترتب عليها انقلاب الوضع السياسى، نعيش ارتداداته هذه الأيام بصورة أو أخرى. أدرى أن ثمة فروقا وتمايزات فى الحالتين الأمريكية والمصرية، إلا أنهما اتفقتا فى نقطة واحدة، هى أن التفويض فى الحالتين تعلق بأمر مصيرى، الأول فى صلب السياسة الخارجية الأمريكية، والثانى مثل تحولا مهما فى السياسة الداخلية المصرية. وربما قيل إنه من التمايزات أن الذى طلب التفويض فى واشنطن رئيس الدولة، فى حين أن الذى طلب التفويض فى القاهرة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع. إلا أن ذلك مردود عليه بأن الفريق السيسى حين طلب التفويض فى الخطاب الذى ألقاه أمام خريجى الكلية البحرية لم يكن يتحدث بصفته الوظيفية، وانما بصفته قائد الانقلاب الذى وقع وخطابه كان موجها إلى المجتمع وليس إلى حضور الحفل وحدهم، من الفروق المهمة أن أوباما كان يطلب تفويضا من ممثلى الشعب الأمريكى لتوجيه ضربة عسكرية إلى دولة أخرى، متذرعا بأن ذلك يخدم الأمن القومى لبلاده، فى حين أن التفويض الذى طلبه السيسى أراد الاستناد إليه فى مواجهة أزمة فى الداخل الطرف الآخر فيها يمثل جزءا من الشعب المصرى، نسب إليه التطرف والإرهاب، وهو ما اعتبره بدوره تهديدا للأمن القومى للبلاد. الفرق الآخر والأهم أن أوباما حين طلب التفويض فإنه خاطب المؤسسات المنتخبة التى تمثل الشعب الأمريكى فى حين أن السيسى خاطب الحشود الجماهيرية التى دعاها للخروج إلى الشوارع والميادين. إن شئت فإن الأول خاطب الآلة الديمقراطية فى حين أن الثانى لجأ إلى خطاب مرحلة ما قبل الديمقراطية، من ثم فإن الآلة الديمقراطية أتيح لها أن تمحص الأمر جيدا وتناقش الرئيس ومساعديه، ثم تضع ضوابط للتفويض المفترض، سواء فى أجله أو حدوده أو النتائج المترتبة عليه، فقرأنا مثلا أن لجنة الشئون الخارجية فى مجلس الشيوخ حددت للتفويض مدة 60 يوما فقط، يمكن أن يضاف إليها 30 يوما أخرى إذا طلب الرئيس المد موضحا أسبابه. كما اشترطت ألا تقوم القوات المسلحة الأمريكية بأية أعمال قتالية فى الضربة المفترضة. واشترطت أيضا ضرورة التشاور مع مجلس الشيوخ ولجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب فى شأن التسوية السياسية التى يتوقع ان تتم بعد انتهاء العمليات العسكرية. الخلاصة ان أوباما خاطب مؤسسات بلده التى وضعت حدودا وشروطا للتفويض، ولم تقدم له التفويض على بياض، ثم أخضعت قراره للتصويت بعد ذلك أمام غرفتى الكونجرس لتقرير مصير القرار. وجه المقارنة بين التفويض الذى جرى تمحيصه وإحكام ضوابطه من خلال مؤسسات المجتمع فى الولايات المتحدة، بعد مناقشات واسعة استمرت عشرة أيام، وبين تفويض الفريق السيسى الذى أطلقت الدعوة إليه يوم الأربعاء 24/7 وخرجت الجماهير مستجيبة ومؤيدة له يوم الجمعة (خلال أقل من 48 ساعة). وهو ما عرفنا منه العنوان العريض للتفويض، ولكننا لم نعرف شيئا عن المقصود بالإرهاب المستهدف، ولا عن مضمون التفويض وأدواته وحدوده. الأمر الذى جعله مفتوحا وفضفاضا إلى أبعد مدى. وفى ظله دخلت البلاد فى نفق مجلل بالدم ومشبع بالخوف، ولا يكاد يرى فى نهايته ضوء يذكر. إن شئت فقل إن التفويض فى الحالة الأمريكية مر بآليات الممارسة الديمقراطية التى احترمت رأى الأمة واحتكمت إلى المصالح العليا للمجتمع. أما فى الحالة المصرية فإن التفويض كان تعبيرا عن الشعبوية المنتسبة إلى الديمقراطية ولم تبال بشق صف الأمة، فى حين أنها احتكمت إلى الانفعالات والغرائز. ولا غرابة والأمر كذلك فى أن يعرف الأمريكيون إلى أين هم ذاهبون، أما نحن فى مصر فإننا نسمع السؤال على كل لسان لكننا لا نجد له جوابا. إن المرء وهو يحسدهم على ما هم عليه لا يملك إلا أن يعترف بأن الأشرار لهم فضائلهم أيضا. الأمر الذى يجعلنا نحترم عقلهم بقدر ما نكره فعلهم. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفويض وتفويض تفويض وتفويض



GMT 15:28 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

حماية المريض والطبيب بالحوار

GMT 15:26 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

نفس عميق!

GMT 15:25 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

الأزهر لا سواه لها

GMT 15:24 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

أُسطورةُ فى جباليا!

GMT 15:23 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شركاء فى الجريمة

GMT 07:13 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

علاقات بشار التي قضت عليه

GMT 07:12 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

«في قبضة الماضي»

GMT 07:11 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon