فهمي هويدي
إذا كانت مصر ستنتهى من الحرب ضد الإرهاب لتنتقل بعد ذلك إلى حرب أخرى ضد الطابور الخامس فذلك معناه أنه لن يهدأ لنا بال ولن يستقر لنا حال قبل عدة سنوات مقبلة، ولا مبالغة فى ذلك، لأن الولايات المتحدة بجلالة قدرها لاتزال تخوض حربها ضد الإرهاب منذ عشر سنوات، بعد أحداث 11 سبتمبر 2003، ولم تنته منها بل إن بؤره انتشرت فى أماكن أخرى عديدة، حتى أصبحت تمثل مشكلة فى القارة الإفريقية. يشهد بذلك ما حدث فى كينيا قبل أيام قليلة. وإذا كان ذلك هو الحال بالنسبة لجبهة الإرهاب، فما بالك به حين تضاف إليه جبهة أخرى تحمل اسم الطابور الخامس.
هذا الكلام عن الحربين أثارته جريدة الأهرام، حين نشرت على صدر صفحتها الأولى يوم الإثنين 23/9 أن إعلان مصر خالية من الإرهاب سيتم خلال أيام، وأن المعركة المقبلة مع الطابور الخامس، الذى ذكرت أنه يضم سياسيين وصحفيين وأعضاء بمنظمات المجتمع المدنى خصوصا تلك التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان. ولأن الكلام منشور فى الأهرام ولأن من كتبه هو رئيس تحرير الجريدة الزميل عبدالناصر سلامة، فإنه ينبغى أن يؤخذ على محمل الجد، على الأقل من حيث إنه يعبر عن رؤية للأجهزة الأمنية. أو طرف نافذ ومهم فيها عند الحد الأدنى.
لأن الأمر كذلك، فإنه ينبغى أن يقلقنا لثلاثة أسباب:
الأول أنه يحدثنا عن معارك لها عناوين فضفاضة يمكن أن تستمر إلى أجل غير معلوم. ذلك أن مصطلح الإرهاب أصبح واسعا بحيث يمكن أن يشمل كل ممارسات المعارضة. سواء استخدم فيها العنف أم لا، وسواء كانت تلك الممارسات تتعلق بالشأن السياسى أم لا. وكنت فى وقت سابق قد حضرت ندوة فى لندن حول التطرف والإرهاب، وحين تعددت تعريفات المصطلحين فإن باحثا ايرلنديا خفيف الظل قال للجالسين: لا تتعبوا أنفسكم لأنه فى الدول غير الديمقراطية فإن كل ما لا يعجب السلطة إما أن يعد تطرفا أو إرهابا. وقد ذكرت توا أن حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب الذى يتوسل بالعنف لم تنته منذ عشر سنوات. وإذا كان ذلك شأن مصطلح الإرهاب فإن مصطلح الطابور الخامس أكثر اتساعا وأشد غموضا.
إذ المعلوم أن المصطلح نشأ أثناء الحرب الأهلية الإسبانية (عام 1936) التى استمرت ثلاث سنوات حين كانت أربعة طوابير تزحف نحو مدريد، لكن أحد قادة الثوار قال إن وراءهم طابورا خامسا من الجواسيس ينشط فى أرض العدو. ومنذ ذلك الحين أصبح الوصف يطلق على كل من يعارض السلطة ويثير من حولها الشكوك والأقاويل. الأمر الذى يعنى أن التهمة يمكن أن تنسب إلى كل من يتفوه بكلام لا يعجب السلطة. إزاء ذلك فإننا لا نبالغ إذا قلنا إن أشهار هذين العنوانين فى الوقت الراهن يستصحب معه تلقائيا شعورا بالخوف على المستقبل ومنه.
لأن معاركنا القادمة ستتراوح بين الحرب على الإرهاب والحرب ضد الطابور الخامس، فذلك يعنى أن الأجهزة الأمنية ستكون لها اليد العليا خلال المرحلة القادمة. لأن كسب معركتين من ذلك القبيل له استحقاقات وشروط، وبغير تنامى نفوذ المؤسسة الأمنية فإن الانتصار فيها لن يتحقق. وهو ما عبر عنه رئيس تحرير الأهرام حين ذكر فى عناوين تقريره أن الأمن هو الذى سيقود المعركة القادمة. وذلك هو السبب الثانى للقلق على المستقبل. إلا أن القلق فى هذه الحالة لن يكون مقصورا على تنامى نفوذ الأجهزة الأمنية، لأن من شأن ذلك تراجع أولوية قضية الحريات وعدم الاهتمام بملف التنمية. وهو ما يعنى أننا مقبلون على مرحلة الأولوية فيها لأمن النظام وليس أمن المجتمع.
السبب الثالث للقلق أن هذا السيناريو سوف يكرس الركود الاقتصادى ويضعف الأمل فى إنعاشه أو تحريكه. ذلك أن الدولة حين تنخرط فى الحرب على الإرهاب تارة ثم تعلن مواصلة حربها ضد الطابور الخامس لن يزورها سائح، ولن يغامر مستثمر بالقدوم إليها. وقد رأينا كيف أساء إلى سمعة مصر ما أعلنته فى حملتها الدعائية حين ذكرت أنها تخوض الحرب ضد الإرهاب، واضطرها ذلك إلى التراجع والإعلان عن أن معركتها تستهدف إقامة الديمقراطية بدلا من الحرب على الإرهاب.
سوف يريحنى ويسرنى إذا قيل إن ما نشرته الأهرام ليس رأى المؤسسة الأمنية ولكنه رأى خاص لأحد المسئولين بها. وسأكون أكثر سعادة إذا ما نفى متحدث باسم السلطة ما تضمنه التقرير المنشور من معلومات، وبشرنا بأن ذلك ليس رأى الرئاسة أو الحكومة. أما إذا ثبتت صحة التقرير فإننى أتمنى ألا تطول معى حالة الاكتئاب المقترن بالإحباط والحزن.
نقلاً عن "الشروق"