توقيت القاهرة المحلي 10:37:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من وحى جريمة الكنيسة

  مصر اليوم -

من وحى جريمة الكنيسة

فهمي هويدي

لدىَّ كلمتان بخصوص جريمة كنيسة الوراق التى أفضت إلى قتل أربعة أشخاص وإصابة 18 آخرين، الكلمة الأولى يلخصها السؤال: من فعلها؟ ذلك أننى لا أتصور أن تنشق الأرض فجأة عن اثنين من الملثمين يقومان بإطلاق الرصاص على المشاركين فى حفل الزفاف المقام بالكنيسة، ثم يختفى الاثنان ولا يعثر لهما على أثر بعد ذلك. لقد ذكرت الصحف المصرية أمس أن خمسة من المشتبه بهم يجرى التحقيق معهم فى الجريمة، وتلك خطوة إيجابية لا ريب، لكن المهم أن يقود ذلك فى نهاية المطاف إلى معرفة الفاعلين وتحديد هوياتهم، وهل هم أشخاص مهووسون، أم أنهم ينتمون إلى جماعات معروفة او غير معروفة فى مصر، أم أنهم طرف ثالث لا ينتمى إلى هؤلاء أو هؤلاء ولكن له مصلحة فى تأجيج الفتنة وتوسيع نطاقها فى مصر، بحيث لا  تكون مقصورة على الصراع الدائر بين الإسلاميين والسلطة وإنما تمتد لكى تشمل الصراع بين المسلمين والاقباط أيضا. إننا لم نعرف حتى الآن من حرق الكنائس فى مصر فى اعقاب فض اعتصام رابعة العدوية، بل إننا لم نعرف من فجر كنيسة القديسين فى الاسكندرية فى الاول من شهر يناير عام 2011، وهى الجريمة الغامضة التى اثيرت شكوك قوية حول ضلوع اجهزة الأمن السرية فيها، حيث قيل إن تلك الاجهزة جندت احد العناصر المتطرفة لارتكاب الجريمة وهو اللغط الذى لم يحسم حتى هذه اللحظة، الأمر الذى يعنى ان الشكوك بخصوصه لاتزال قائمة. إن التقاعس عن تحديد الجناة لا يعنى فقط أن ثمة فشلا امنيا ينبغى تداركه، لكنه أيضا يفتح الباب لإساءة الظن بدور الاجهزة الامنية فى العملية وقد سمعت شيئا من ذلك القبيل من اشخاص اصبحوا مقتنعين ان ما جرى فى كنيسة الوراق يرضى الاجهزة الامنية لسببين أساسيين هما: إنه يرفع من وتيرة التوتر فى البلد ويشد انتباه الجميع إلى ضرورة الاحتشاد لمواجهة «الارهاب»، بما يؤدى تلقائيا إلى صرف الانتباه عن المشكلات الحياتية الاخرى التى فشلت الحكومة فى حلها. السبب الثانى ان عدم تحديد الفاعلين يفتح الباب لاتهام جميع الاسلاميين وفى المقدمة منهم التحالف الوطنى للدفاع عن الشرعية الذى يعد الاخوان اهم فصائله. فى حين ان التحديد  ــ إذا تم ــ من شأنه ان يشير بأصابع الاتهام إلى طرف بذاته، كما انه سوف يبرئ ساحة بقية الاطراف وذلك ليس مرغوبا فى الوقت الراهن. لقد سارعت وسائل الاعلام المصرية إلى استثمار ما جرى سياسيا، فضمت ما جرى إلى حملة الشيطنة وتعميق الكراهية الرائجة هذه الايام. حتى كان العنوان البارز على الصفحة الاولى لجريدة التحرير كالتالى: جريمة الاخوان فى الوراق، وهو ذات الموقف الذى تبنته عدة تعليقات ورسوم كاريكاتورية اخرى. كلمتى الثانية تتعلق بمصادفة لا تخلو من دلالة. إذ فى الوقت الذى أجرت فيه وسائل الاعلام المصرية تغطية واسعة للضحايا الاربعة الذين قتلوا فى جريمة كنيسة الوراق، كان قد تم التعرف على جثث اربعة اشخاص من المحترقين فى مسجد الايمان بمدينة نصر، وتم دفنهم فى مواكب حزينة صامتة. الاربعة هم: محمود عزب متولى من منيا القمح ــ شرقية ــ اسامة هلال عامر من المحلة الكبرى ــ فكرى المغلاوى من دمياط ــ مصطفى نور الدين فتحى المعداوى وهو مهندس برمجيات خرجت جنازته امس الأول من مسجد الحصرى بمدينة 6 اكتوبر، ليس بعيدا كثيرا عن منطقة الوراق، وهؤلاء الاربعة كانوا ضمن 42 جثة كان قد تم احراقها وتفحمت يوم 14 اغسطس الماضى بعد نقلها إلى مسجد الايمان ضمن 300 جثة اخرى لضحايا فض اعتصام رابعة، وحسبما نشرت الصحف فى الاسبوع الماضى فهناك اكثر من 25 جثة أخرى محترقة مودعة فى مشرحة زينهم منذ نحو شهرين لم يتم التعرف على اصحابها. كان شيئا جيدا ان يشيع الاربعة الذين قتلوا فى حادث جريمة كنيسة الوراق فى جنازة مهيبة تقدمها المحافظ وحضرها كبار رجال القوم، وان يجرى رئيس الوزراء اتصالا هاتفيا مع بطريرك الاقباط ليقدم اليه العزاء والمواساة. لكنى لم استطع ان انسى جنازات الاربعة الذين احترقوا وتم دفنهم فى وقت متزامن بعيدا عن الأعين والاضواء، ولم استطع ان اتخلص من صور اقرانهم الذين احترقوا فى مسجد الايمان، ولا زملائهم الاربعين الذين احترقوا فى عربة الترحيلات التى نقلتهم إلى سجن ابوزعبل، ولا الثلاثة آلاف الذين قتلوا أثناء فض الاعتصامات وأسقطهم المجتمع من الذاكرة. لست أشك فى ان المواساة المجتمعية لضحايا حادث اطلاق النار على رواد الكنيسة خففت بصورة نسبية من فجيعة اهليهم، لكننى لم افهم ذلك التجاهل الذى يصل إلى حد الشماتة والازدراء لضحايا فض الاعتصامات مع انهم ايضا مواطنون مصريون لهم حقهم فى الكرامة حتى اذا كانوا معارضين، وإذا نزعت عنهم السياسة تلك الكرامة وهم احياء فإن الاخلاق الانسانية ينبغى ان تحتفظ لهم بكرامتهم وهم أموات. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من وحى جريمة الكنيسة من وحى جريمة الكنيسة



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon