توقيت القاهرة المحلي 10:02:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عُمراننا الذى فسد

  مصر اليوم -

عُمراننا الذى فسد

فهمي هويدي

حين وقعت على صورتين لمبنى الإسكندرية البديع قبل وبعد الانقضاض عليه وتشويهه قلت إنهما صورتان لمصر قبل الثورة وبعدها. ولا يحسبن أحد أن لدى أى تعاطف مع نظام ما قبل الثورة الذى أطل علينا بعض أذنابه برءوسهم هذه الأيام. ذلك أننى، أعتبره فاعلا أصيلا فى الجريمة، لأنه من زرع الفساد الذى كان تشويه المبنى ووجه مصر كلها من بعض حصاده. أتحدث عن الصورة التى أبرزتها جريدة «الأهرام» على صفحتها الأولى يوم الأربعاء الماضى 6/11، التى أظهرت لنا بناية أثرية فى الإسكندرية تنتسب إلى الطراز الإيطالى، انقض عليها أحدهم فهتك جمالها وأزال ما فيها من بهاء وأصالة، لكى يضيف إليها بعض الطوابق، ويضفى على البناية مسخا ودمامة لكى يتكسب من ورائهما بما يشبع نهمه وجشعه. وتلك ليست حالة استثنائية، لأنها صارت تعبيرا عن ظاهرة تفشت فى الإسكندرية حتى أتت على وجه المدينة الصبوح، وملأته بالندوب والتشوهات. وقد حمدت للأهرام ما نشره ليس فقط لأنه سلط الضوء على الواقعة التى أزعم أنها بمثابة جرس إنذار ينبه إلى الظاهرة، وإنما أيضا لأنه اعتنى بشىء مما يحدث على أرض الواقع ويهم المجتمع. وهو ما يعد خروجا على مألوف الصحافة وبقية وسائل الإعلام فى مصر، المستغرقة فى ملاحقة تجاذبات وصراعات النخبة، بما تستصحبه من ثرثرة وتكهنات، بعضها يتعلق بفرعون مصر القادم، والبعض الآخر يدور فى فلك جهود الكهنة وحظوظهم، إلى غير ذلك من العناوين مقطوعة الصلة بالهموم الحقيقية للمجتمع. لقد دعا الأهرام إلى محاسبة مالك العقار، لكنى أزعم أنه ليس الجانى الوحيد، لأن فساد المحليات له دوره فى التستر على مثل هذه الجرائم والترخيص بها فى كثير من الأحيان، كما أن انشغال السلطة بالأمن السياسى وانصرافها عن أمن المجتمع. شجع أمثال هذا المالك على ان يتجرأوا على القانون، وهم مطمئنون إلى أن الدولة غائبة ومنشغلة بغيرهم. ثم إننا لا نستطيع أن نعفى الرقابة الشعبية من المسئولية أيضا. حيث من حقنا أن نسأل: لماذا أغمض المجتمع أعينه عما جرى لهذه البناية التاريخية وغيرها، ولماذا لم يتحرك ممثلو المجتمع ونخبه التليفزيونية للدفاع عن جماليات المكان وبهائه. أعترف بأن لدى فضلا عما سبق دافعى الخاص فى انتقاد هذه الفوضى التى ملأت وجه مصر بالدمامة والقبح. ذلك أننى أسكن فى حى هادئ بمصر الجديدة، تعرض لهجمة تتارية من ذلك القبيل الذى نحن بصدده خلال السنوات الثلاث الأخيرة. فتحول من منطقة سكنية وادعة إلى ساحة مورست فيها مختلف أشكال العربدة العمرانية التى ملأت الحى فى غفلة من الجميع بالأبراج العالية والمقاهى الصاخبة، حتى صار سكانه يشعرون بغربة شديدة. ولا يجدون من يجيب عن تساؤلاتهم التى لا تتوقف عن شبكة المصالح وثغرات القانون ومظان الفساد التى وقفت وراء ذلك الانقلاب الذى حول حياة السكان إلى جحيم طارد لراحتهم، بل طارد لوجودهم فيه. إننى لا أخفى شعورا بالذنب وأنا أكتب هذه الكلمات التى ظللت أحبسها طول الوقت وأتاحت لى واقعة الإسكندرية أن أبوح بها أخيرا، ذلك أننى استشعر حرجا شديدا حين أبث هموم بعض سكان المدن سواء تعلقت بجمالياتها أو فساد العمران فيها، لأننى أعرف جيدا أن معاناة وعذابات أهلنا فى أنحاء الدلتا وفى صعيد مصر وفى سيناء، أضعاف هذا الذى نشكو منه، وقد يبدو هذا الذى نتحدث عنه نوعا من الترف الممجوج، لأن هؤلاء البعيدين عن القلب وعن العين يحسدوننا على هذا الذى نتبرم به ونتأفف منه، ذلك أنهم يعيشون فى ظل جحيم من نوع آخر، أقسى وأفدح. بين أناس يشربون مياها ملوثة، وآخرين لم يعرفوا التيار الكهربائى أو الصرف الصحى، وأناس يعانون من البلهاريسيا والكبد والوبائى، ويفتقدون إلى أبسط الخدمات التى تحفظ لهم الحد الأدنى من الإنسانية، فى التعليم والصحة والإسكان. كما يتضاعف شعورى بالخجل حين أشكو من زحف الأبراج وفوضى المقاهى وضجيجها، فى حين أجد أن 40٪ من أبناء الشعب المصرى يعيشون تحت حد الفقر. صحيح أننا نتفاوت فى المعاناة، إلا أن ذلك لا يغيب حقيقة أننا جميعا ضحية الدولة الظالمة، التى شغلتها مغانم السطة عن رعاية مصالح الخلق، فقوى الرأس وتهتك الجسد، وحين صرنا بلا عافية ولا حول شاع بيننا فساد العمران وعانى منه الجميع فى المدن والقرى. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عُمراننا الذى فسد عُمراننا الذى فسد



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon