توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لأن الناس مقامات

  مصر اليوم -

لأن الناس مقامات

فهمي هويدي

صطحب الرجل ابنه وخرج لتوصيله إلى النادى الرياضى لكى يشارك فى مباراة لكرة القدم فى يوم العطلة. فى الصباح الباكر قاد سيارته واتجه إلى أحد الجسور الموصلة بين أطراف القاهرة الكبرى. عند أول منعطف فى مدخل الجسر (الدائرى الرابع) اعترضته سيارة وأوقفته. وبسرعة هبط منها ثلاثة شبان ملثمين يحملون بنادق آلية، ومعهم رابع مثلهم يحمل اسطوانة بوتاجاز. أنزلوه من سيارته وطلبوا منه مفتاح تشغيلها وهاتفه المحمول وما معه من نقود، بعدما أعطاهم ما يريدون. تقدم أحدهم نحو سيارته وشرع فى قيادتها، فى حين همَّ الآخرون بركوب سيارتهم الأصلية، إلا ان أحدهم أطلق رصاصة للترهيب والتخويف فى الأغلب، فاخترقت الجانب الأيمن للابن، الذى سالت منه الدماء غزيرة، هرب الملثمون بما غنموا، فى حين أصيب الرجل بالهلع جراء ما أصاب ابنه. فحمله على كتفه وهرول إلى الشارع حتى وجد من أنقذه وأوصل الاثنين إلى مستشفى الهرم. لم يجد الأطباء مفرا من إزالة الطحال الذى تهتك من أثر الرصاصة التى اطلقت، وأجروا الاسعافات اللازمة لوقف النزيف، ثم قرروا ان ينتظروا بعض الوقت لكى يستخرجوا الرصاصة التى استقرت تحت الرئة. ولا يزال الشاب راقدا فى المستشفى ينتظر إجراء الجراحة الثانية. إذا استعرضنا ما جرى ببطء فسوف نلاحظ ما يلى: إن الجريمة وقعت فى القاهرة التى يفترض أنها أكثر المدن تأمينا فى مصر. وإن ذلك حدث فى وضح النهار، وفى مدخل واحد من أهم وأكبر الجسور التى تربط بين أطراف العاصمة، وانه لم يظهر جندى واحد فى محيط الجريمة، ولأن الجناة كانوا مدركين لتلك الحقيقة فإنهم تصرفوا بمنتهى الطمأنينية، حيث أوقفوا سيارتهم (كورولا سوداء) بعرض الجسر، وفعلوا فعلتهم، ثم أطلقوا رصاصة التخويف أثناء انصرافهم. لا أستطيع أن أفترض السذاجة فى السارقين. فاختيارهم لصباح يوم الجمعة يكشف عن دراية وخبرة. لأنه اليوم الذى تتوقع فيه الأجهزة الأمنية أن يتسع نطاق المظاهرات وأن تخرج إلى الشوارع من حيث لا يحتسبون. لذلك فإن كل همها خلال ذلك اليوم بالذات أن تتصدى للمظاهرات وأن تؤمّن المناطق أو المؤسسات التى تتوقع استهدافها. لهذا السبب فكل من تسول له نفسه أن يرتكب أى جريمة لا علاقة لها بالسياسة فعليه أن ينتظر أوقات المظاهرات، وأن يُقدم على فعلته وهو مطمئن إلى أن أعين الشرطة وكافة حواسها متجهة صوب ما هو وثيق الصلة بالسياسة، ومنصرفة عما عداها. الفكرة ليست جديدة لأن الانطباع السائد فى مصر منذ عدة سنوات أن الأجهزة المعنية مشغولة بحماية النظام ورموزه. بأكثر من حمايتها للمجتمع ورعايتها لمصالحه. وقد استقرت تلك الفكرة فى مرحلة مبارك بوجه أخص حين كان اعتماده الأكبر على الشرطة التى عهد إليها بترتيب أمور كثيرة فى البلد، من الانتخابات إلى التوريث، وكل الذى حدث ان نشاط الخارجين على القانون تضاعف بعد ثورة يناير 2011، أولا لأن الشرطة انسحبت من المشهد بصورة نسبية، وثانيا لأن جرأة الناس عليها صارت أكبر، وثالثا لأن خروج المظاهرات منذ تولى الدكتور محمد مرسى الرئاسة لم يكن أحد أسباب انشغال الشرطة واستدعائها فحسب، ولكن أيضا لأن تلك المرحلة شهدت «تعاونا» بين الشرطة والبلطجية، الذين أصبحوا أحد العناصر التى تسهم فى قمع المتظاهرين وفض المظاهرات. لا يزال انشغال الشرطة بحماية النظام وانصرافها عن حماية المجتمع يشكل عنصرا مهما فى تشجيع الخارجين على القانون على ارتكاب جرائمهم. إلا ان هناك مشكلة أخرى تضاعف من عدم اكتراث الشرطة بمثل الحالة التى نحن بصددها. وهى أن الضحية فيها من المواطنين العاديين. الذين لا يثير اهمال الشرطة بأمرهم تساؤل أحد أو اهتمامه. أما كبار المسئولين ونجوم السياسة والإعلام فإنهم يلقون معاملة خاصة إذا ما تعرضوا لأى عدوان على أموالهم وممتلكاتهم أو مواكبهم بطبيعة الحال. حيث تلك هى الحالات التى تستنفر فيها الشرطة لتستعرض قدراتها وتسلط فيها وسائل الإعلام الضوء على كفاءتها وانجازاتها. وهو ما لا يتاح لها فى حالات الجرائم التى ترتكب بحق المواطنين العاديين، الذين هم أصلا أكثر من الهم على القلب، ناهيك عن ان وسائل الإعلام لا تأتى لهم على ذكر فى العادة. وفى أحسن أحوالهم فإنها قد تشير إلى اسمائهم فى صفحات الحوادث إذا حلت بهم كارثة من أى نوع. وتقبل بذكرها فى صفحات الوفيات إذا ما دفع أهلوهم فى ذلك الأجر المعلوم. إزاء ذلك فلعلى لا أبالغ إذا قلت ان المشكلة أكبر من مجرد حادث سرقت فيه سيارة هيونداى وأدت العربدة والاستهتار فيه إلى إزالة طحال شاب وتهديد حياته، ولكنها مشكلة جهاز للشرطة تدرب على حماية النظام دون المجتمع، ومشكلة نظام نخبوى اعتبر المصرى العادى مواطنا من الدرجة الثانية وبنى سياسته على أساس ان العين لا يمكن ان تعلو على الحاجب. وأن الجميع أولاد تسعة أشهر حقا، لكن لكل مقامه واجب الاعتبار أيضا. "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لأن الناس مقامات لأن الناس مقامات



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon