توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المبادرة روسية

  مصر اليوم -

المبادرة روسية

فهمي هويدي

إذا نحينا جانبا العنتريات الإعلامية فسوف نكتشف ان روسيا هى صاحبة مبادرة مد الجسور مع مصر، وسنجد ان المبادرة ليست جديدة، لكنها طرحت على القاهرة خلال حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، لكنه لم يتحمس لها لأسباب مفهومة. وهذا ما يعرفه جيدا الدبلوماسيون المصريون الذين عملوا فى موسكو خلال تلك الفترة. وما حدث ان العرض تجدد مؤخرا، وهو ما رحبت به القاهرة الأمر الذى فتح الباب لاستعادة الدفء فى علاقات البلدين. وكان رئيس المخابرات الروسية الذى زار القاهرة أول الداخلين، وبعده جاء وزيرا الدفاع والخارجية. كل طرف كانت لديه أسبابه فى تحركه نحو الآخر. على الجانب الروسى تمثلت الأسباب فى العوامل التالية: • حرص الرئيس فلاديمير بوتين المتأثر بحلم الامبراطورية الروسية على إثبات حضوره فى الساحة الدولية، بخلاف سلفه ميدفيديف الذى انشغل بالداخل ولم يمد بصره إلى الخارج، أدرك بوتين رغم ضعف موقفه الداخلى انه خارجيا أصبح فى موقف أقوى سواء لإدراكه ان الولايات المتحدة غارقة فى تداعيات ورطتها فى أفغانستان والعراق، أو لأنه حقق انجازا دوليا مهما حيث تدخل لوقف الحملة العسكرية الأمريكية ضد سوريا. أو لأنه بمساندته لسوريا أصبح ظهيرا مهما لإيران. • إدراك موسكو ان العالم العربى والشرق الأوسط عموما تراجعت أهميته فى الاستراتيجية الأمريكية، التى أصبحت معنية أكثر بصعود الصين والتغيرات الحاصلة فى آسيا. صحيح ان واشنطن لم تتخل عن دعمها لإسرائيل، إلا ان الملفات الأخرى المتعلقة بالمصالح الأمريكية فى المنطقة أصبحت فى عهدة أصدقاء واشنطن من العرب «المعتدلين»، الذين اطمأنت إلى قيامهم بالواجب وزيادة. وهى الخلفية التى شجعت موسكو على محاولة استعادة موقعها فى العالم العربى، خصوصا ان علاقاتها الخاصة بسوريا مكنتها من الإسهام فى صياغة معادلات المنطقة وتوازناتها. وتاريخيا فإن دور القاهرة فى الذاكرة الروسية يتجاوز بكثير حضور سوريا. • إن ثمة تقليدا دبلوماسيا روسيا يدفعها إلى محاولة تمتين علاقاتها مع الدول التى تهمها، وذلك من خلال إقامة لجان مشتركة مع تلك الدول يمثلها فيها وزيرا الدفاع والخارجية مع نظرائهم فى الدول الأخرى لترتيب أمر المنافع المتبادلة. وقد شكلت روسيا عشر لجان من ذلك القبيل مع دول أخرى فى العالم، بينها فرنسا، وهذا هو المطروح على مصر الآن. • روسيا تخوض معركة داخلية ضد المقاومة الإسلامية لنفوذها فى منطقة القوقاز وشيشينيا وداغستان وانجوشيا ــ من ثم فإن حملتها مستمرة مع ما تسميه بالإرهاب الإسلامى. وأغلب الظن انها وجدت فى الأجواء الراهنة فرصة للتعبير عن تضامنها مع النظام القائم فى مصر الذى وجدت انه تبنى خطابا أعلن فيه انه يخوض معركة مماثلة. • روسيا رغم انها ليست فى وارد الاشتباك مع الولايات المتحدة، الا انها لا تتردد فى منافستها، فى الحدود التى لا تؤدى إلى اغضابها. ولا ينسى فى هذا السياق الخدمات الجليلة التى قدمتها موسكو لواشنطن أثناء الغزو الأمريكى لأفغانستان، رغم انها ليست سعيدة بالتدخلات الأمريكية فى دول البلطيق، بالتالى فموسكو غير مستعدة لأن تدخل فى منازعة مع واشنطن حول مصر، ناهيك عن انها لا تستطيع ان تحل محل الولايات المتحدة فيما تقدمه الأخيرة من دعم للنظام المصرى. اما محددات الموقف المصرى فيمكن الإشارة فيها إلى العوامل التالية: • إن عدم ارتياح مصر لموقف الإدارة الأمريكية ــ الحزب الديمقراطى تحديدا ــ شجعها على التفكير فى تحقيق التوازن فى علاقاتها الخارجية، وكان الترحيب بالمبادرة الروسية من بين الخيارات المطروحة فى هذا السايق. علما بأن تلك مجرد خطوة على طريق التوازن المنشود، والتى ينبغى ان تعقبها خطوات أخرى باتجاه ايصال الجسور ذاتها مع دول أخرى مثل الصين والهند والبرازيل. • إن مصر ليست فى وارد الاتجاه للاعتماد على السلاح الروسى، ليس فقط لأنه أقل تقدما من الأمريكى، ولكن لأنها معتمدة منذ سبعينيات القرن الماضى على السلاح الغربى، علما بأن عملية تغيير السلاح والعقيدة القتالية التى تستصحبها ليست بالأمر الهين، لأنها تستغرق سبع سنوات فى المتوسط. لذلك فإن حدود التعاون مع موسكو فى هذا الصدد لن تتجاوز إحداث تغييرات جزئية فى عملية التسليح، تستفيد من الإنتاج الروسى ولا تسبب ضيقا أو غضبا من جانب الولايات المتحدة. • إن مصر تعتبر ان ثمة فرصا واسعة للتعاون مع روسيا فى مجالات أخرى تتراوح بين المنافع الاقتصادية والمفاعلات الذرية. فالصادرات المصرية (البرتقال والبطاطس أساسا) فى حدود 200 مليون دولار سنويا، فى حين ان الواردات الروسية فى حدود مليار ونصف المليار دولار. والقمح أهم ما تستورده مصر من روسيا، والسياح الروس (حوالى 2.5 مليون سنويا) أهم ما يأتينا منها. غاية ما يمكن ان يقال فى وصف الحاصل انه بداية محاولة محمودة لتنشيط وتحقيق نوع من التوازن فى علاقات مصر بالخارج. خصوصا مع أصدقائها الذين هجرتهم، دون ان يشكل ذلك انقلابا فى السياسة الخارجية، لأن قدراتنا لا تسمح بأكثر من القيام بالانقلاب فى الداخل. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المبادرة روسية المبادرة روسية



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon