فهمي هويدي
أتكون العسكرة هى الحل؟ جريدة الأهرام فى عدد أمس (الجمعة 15/11) ردت على السؤال بالإيجاب. ولأن الأهرام ــ خصوصا رئيس تحريرها ــ لا ينطق عن الهوى، وإنما له دائما وحى يوحى. حيث المصادر الأمنية حاضرة فى الأخبار بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وحين يتعلق الأمر بالمصير وقراءة السلطة له فإن «الوحى» يطل من بين الأسطر والفقرات، بحيث لا يمكن تجاهله، ويتعين أخذه على محمل الجد.
كان الأهرام فى مقدمة الصحف المصرية التى اكتشفت وجود «الطابور الخامس»، الذى يضم شعب مصر الثالث الذى لم تدركه الأغنية الشهيرة. وفهمنا أنه يضم أشرارا مشتبهين ومحتملين، يقفون فى منزلة بين المنزلتين. فلا هم من الأشرار الأصوليين الممثلين فى الإخوان ومن لف لفهم، ولا هم من الأبرار (الوطنيين الشرفاء) الذين يهتفون باسم الفريق السيسى ويطالبونه بأن «يكمل جميله» بأن يترشح رئيسا.
أخبرنا العنوان الرئيسى لأهرام الجمعة بأن الطابور الخامس تحالف مع الإخوان لإشاعة الفوضى يوم 19 نوفمبر (ذكرى موقعة محمد محمود). ونسب إلى المصادر الأمنية قولها إن مخطط التحالف والتآمر تلقى تمويلا ضخما لحساب التنفيذ بإشراف التنظيم الدولى للإخوان. ورغم أن المصدر الأمنى رفيع المستوى ذكر أن الأجهزة الأمنية ترصد جميع تحركات العناصر التحريضية، فإن القارئ لابد أن يستغرب لماذا لم تصادر الأجهزة اليقظة ومفتوحة الأعين ذلك التمويل الضخم، ولماذا لم تفضح الذين دفعوا والذين تسلموا، وهى التى تسارع إلى تصوير كل قيادى إخوانى يتم القبض عليه، حتى وهو يرتدى ملابس النوم.
ليس ذلك أهم ما فى الموضوع لأن الأهم هو المرافعة التى قدمها رئيس تحرير الأهرام، ودعا فيها إلى إحباط «المؤامرة الكبرى» التى تحاك ضد الوطن. وفى قلبها يقف الطابور الخامس. ومن أبرز ما أورده فى بيانه النقاط التالية:
ـ أن هناك زواجا كاثوليكيا فى المرحلة الراهنة بين الثالوث المرعب المتمثل فى المال الغامض والإعلام الفاسد والطابور الخامس. أسفر فى النهاية عن الحالة المزرية التى تعيشها البلاد الآن.
أنه ليس هناك ما يشير إلى أن مؤسسات الدولة الرسمية قادرة على مواجهة المؤامرات التى تدبر. ليس فقط بسبب ظاهرة الأيدى المرتعشة فى السلطة ولكن أيضا لأن الفساد الإعلامى الذى تموله مصادر مشبوهة لجأ إلى البلبلة والابتزاز. كما أن الطابور الخامس استشرى فى المؤسسات الرسمية.
فى النهاية أصبح المواطن العادى مغلوبا على أمره وحلت به النكبة التى نعيشها الآن، من فساد استشرى أكثر من ذى قبل، وغلاء لا يرحم، وانفلات لا يتوقف.
أصبحت مصر فى الوقت الحاضر رهينة مؤسسة رئاسة تعلم أنها مؤقتة، ومؤسسة حكومية مرتعشة، وبين أحزاب سياسية ورقية، ولجنة إعداد للدستور مطعون عليها، ومجالس عليا تم تشكيلها فى غفلة من الزمن، وسيطرة فاشلين على الشأن العام، والإصرار على إقصاء البعض والتنكيل بالبعض الآخر. وهو ما ترتب عليه أن أصبحت هناك مقاومة عنيفة لأى محاولة للإصلاح أو التهدئة أو حتى الحزم والحسم.
إزاء ذلك فقد أصبحنا بحاجة إلى إعادة صياغة المجتمع بما يضمن تحقيق أكبر قدر من الاستقرار فى أقل وقت ممكن. ولن يتحقق ذلك إلا بإعادة نظر شاملة مع الملفات الثلاثة، المال الغامض، والإعلام الفاسد، والطابور الخامس.
لم تعد المرحلة تحتمل أيادى مرتعشة تأبى اتخاذ القرار. ولم تعد تحتمل مواءمات أو حسابات من أى نوع. بالتالى يجب ألا يكون مستقبل الوطن رهنا بالانتهاء من استفتاء أو بإجراء انتخابات برلمانية كانت أو رئاسية. فقد طفح الكيل وفاحت الرائحة. وبالتالى نخشى الانفجار الذى يمكن أن يكون مدمرا هذه المرة.
هذه الأوضاع جعلت مصر إزاء مستقبل غير واضح المعالم، وخريطة مستقبل لم تسد رمق طفل صغير. وقد استغلها البعض لتحقيق مآرب أيدويولوجية وتطلعات شخصية، سواء من خلال دستور لن يكون أبدا مقنعا فى ظل ما يشاع عن حواراته وجلساته. أو من خلال انتخابات مقبلة يتحفز الطامعون للانقضاض عليها.
أصبحت الكرة الآن فى ملعب القوات المسلحة، التى هى الجهة الوحيدة التى وثق فيها الشعب، ذلك أننا بإزاء وطن بحاجة إلى إنقاذ. وليست هناك قوة قادرة على مواجهة الثالوث المرعب سوى القوات المسلحة.
حين نستنجد بالقوات المسلحة فذلك لإدراكنا أنه لم يعد أمامنا ملاذ غيرها، بعد الله سبحانه وتعالى. وحين طالبنا الفريق أول عبدالفتاح السيسى بالإسراع بتحمل المسئولية اليوم وليس غدا، فإن ذلك كان إدراكا منا بأن ذلك هو عين الصواب والطريق الوحيد لإنقاذ البلد من الهاوية، التى ينسجها له المال الغامض والإعلام الفاسد والطابور الخامس والأيدى المرتعشة.
هذا الكلام الذى لا أشك فى أنه خارج من المؤسسة الأمنية يثير السؤال التالى: هل هذا هو رأى المؤسسة التى تدير الدولة، أم أنه رأى أحد أجنحتها فقط؟ وهو سؤال أطرحه لا لكى أطمئن ــ حيث ما عاد ذلك واردا ــ ولكن لكى أتعرف على حدود المسافة التى تفصل بيننا وبين الصدمة الكبرى.
نقلاً عن "الشروق"