توقيت القاهرة المحلي 06:03:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفائزون والخاسرون فى الدستور

  مصر اليوم -

الفائزون والخاسرون فى الدستور

فهمي هويدي

لم يتح للمصريين أن يتابعوا مناقشات لجنة الدستور التى تمت فى غرف مغلقة إمعانا فى «الشفافية»، إلا أن المصادفة وحدها كشفت عن جوانب دالة لبعض ما جرى وراء أبواب تلك الغرف. وشاءت المقادير أن يتعلق الكشف بالمادة المتعلقة باشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع، وهو النص الذى ابتدعته لجنة الخبراء العشرة التى شكلها رئيس الجمهورية للنظر فى التعديلات المقترحة على دستور 2012 المعطل، ولم يكن هناك تفسير للزج بذلك النص سوى أنه جاء عاكسا لموازين اللحظة التاريخية التى شكلت فى ظلها اللجنة، إذ طالما أن وزير الدفاع هو الذى استدعى رئيس المحكمة الدستورية ونصَّبه رئيسا للجمهورية فربما بدا أنه من غير المستساغ أن ينص الدستور الصادر فى الظروف ذاتها على أن يكون رئيس الجمهورية هو من يعين وزير الدفاع، شأنه فى ذلك شأن بقية الوزراء. وكنت أحد الذين تمنوا على العناصر «الليبرالية» فى اللجنة أن يقوموا بتصويب ذلك الوضع الشاذ لكى يتفق مع ما هو معمول به فى الدول الديمقراطية. والذين أحسنوا الظن تصوروا أن أولئك الليبراليين سيكملون جميلهم وسيقومون بإلغاء النص الذى يجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية (المتداول أن 12 ألف شاب مصرى حوكموا أمام تلك المحاكم فى ظل وجود المجلس العسكرى)، كما أنهم سيعالجون أمر الوضع الخاص بميزانية القوات المسلحة، التى تحجب تفاصيلها عن مجلس الشعب. إلا أن تلك الآمال تراجعت بمضى الوقت إلى الحد الذى انتهى بإقرار وتمرير كل ما تمنينا تعديله. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأننا فوجئنا بما هو أشد وأنكى. ذلك أن المحررين البرلمانيين فوجئوا قبل جلسة التصويت النهائى بأن نص اشتراط موافقة مجلس القوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع أضيفت إليه كلمة واحدة بحيث اشترط موافقة المجلس المذكور الذى يرأسه وزير الدفاع ليس على تعيينه فقط وإنما على عزله أيضا. وهو ما يعنى رفع يد الدولة المصرية تماما عن الموضوع، وإعلان القوات المسلحة مؤسسة شقيقة مستقلة لا سلطان للدولة المصرية عليها. جريدة «الشروق» روت أمس الأحد 1/12 تفاصيل القصة، فذكرت أن بعض أعضاء اللجنة فوجئوا بالتعديل وذكروا أنه لم يعرض عليهم. فى حين دافع عنه الأخ محمد سلماوى المتحدث باسم اللجنة، ونقلت الصحيفة عنه قوله إن ذلك أمر منطقى. إذ من غير المعقول أن يكون تعيين وزير الدفاع بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة ثم يكون العزل بغير موافقتهم، أضافت الصحيفة أن شخصا همس فى أذن سلماوى ونقل إليه تصريحا للسيد عمرو موسى رئيس اللجنة قال فيه إن تلك المادة لم يتم إقرارها، الأمر الذى عاد وكرره صاحبنا فى تعليق له! أثناء كتابة هذه السطور لم تكن اللجنة قد انتهت من التصويت على بقية مواد الدستور الجديد الذى وضعته، متجاوزة فى ذلك الإعلان الدستورى الذى نص على تعديل وليس إنشاء الدستور كما ذكرت أمس، إلا أنه من الثابت حتى الآن أن القوات المسلحة هى أكبر الفائزين به، حيث تحقق لها ما أرادت، فى حين أن الإخوان والأحزاب الإسلامية هى أكبر الخاسرين، بعد النص على حظر الأحزاب ذات المرجعية الدينية. (للعلم فى السويد حزب إسلامى منذ عام ١٩٩٩). هذه النتيجة لا تفاجئنا، لأنها تعبير عن تفاوت ميزان القوى فى الوقت الراهن. الأمر الذى يفتح أعيننا على حقيقة لفت الأنظار إليها المستشار طارق البشرى فى كتابه «مصر بين العصيان والتفكك» ونبه فيه إلى أن الدستور بمثابة مرآة للأمر الواقع. وذكر أن دستور 1923 حين أتاح قدرا من التداول فى السلطة فإن دافعه إلى ذلك لم يكن تنظيما فقط، ولكن لأن المجتمع آنذاك كان فيه تعدد لقوى سياسية واجتماعية متبلورة فى تنظيمات وتكوينات مؤسسية. ولم يكن فى مكنة أى من هذه القوى أن تنفى الأخريات فى الواقع السياسى. ولو لم يكن التعدد معتمدا فقط على إتاحة الدستورية، وإنما كان يعتمد على الوجود الواقعى الفعال. ولو لم يكن هذا الواقع التعددى قائما لما صدر الدستور منظما للتداول فى السلطة. أضاف البشرى قائلا إن التوزيع القانونى والدستورى يعتمد أول ما يعتمد على التوزيع الفعلى للقوى الاجتماعية والسياسية التى تتبلور فى شكل تنظيمات أو أحزاب أو نقابات وجمعيات. وهو ما نفتقده فى مصر، حيث لا نكاد نجد فيها مثل هذه التكوينات، يستثنى من ذلك جهاز الدولة المصرى بتشكيلاته، وأفرعه المختلفة وجهاز الدولة ذاته تسيطر عليه إرادة شخصية فردية واحدة. وهو وضع ليست له سوابق كثيرة فى تاريخ مصر الحديث. حتى محمد على باشا حيث لم تكن له هذه السلطة الفردية إلا فى سنين قليلة. لقد نشرت دار الشروق هذا الكتاب فى سنة 2006، فى عهد مبارك، وهو لا يضيف أو يفسر الماضى فقط، لكنه يقرأ الحاضر أيضا. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفائزون والخاسرون فى الدستور الفائزون والخاسرون فى الدستور



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon