توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مداولة بعد الحكم

  مصر اليوم -

مداولة بعد الحكم

فهمي هويدي

المادة الخاصة بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية كانت سقطة فى دستور مصر لسنة 2012 إلا أنها تحولت إلى كارثة فى مشروع الدستور الجديد. وإذا كانت الأولى قد خوفتنا فالثانية صدمتنا، وهو ما يسوغ لى أن أزعم بأن لجنة الخمسين حين جاءت تكحلها فإنها اعمتها. كما نقول فى لغتنا الدارجة ــ كيف ولماذا؟ فى دستور 2012 المعطل نصت المادة 198 الخاصة بالقضاء العسكرى على أنه ــ «لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تضر بالقوات المسلحة، ويحدد القانون تلك الجرائم، ويبين اختصاصات القضاء العسكرى الأخرى» ــ وقد أخذ على تلك المادة انها أقرت مبدأ محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وهو ما أزعج كثيرين وأثار استياء وغضب الناشطين والمنظمات الحقوقية، رغم أن النص لم يترك الجرائم التى تضر القوات المسلحة مفتوحا ومتسعا للتأويل، وإنما قرر أن القانون هو الذى يحدد تلك الجرائم التى يتعين نظرها أمام القضاء العسكرى. المشروع الجديد (المادة 204) قرر أمورا عدة أبرزها ما يلى: إن القضاء العسكرى يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها و«من فى حكمهم». والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. لا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة وما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم. تستوقفنا فى النص الإشارات التالية: التوسع المثير للقلق والتوجس فى اختصاص القضاء العسكرى الذى لم يعد ينظر فقط فى الجرائم المتعلقة بضباط وأفراد القوات المسلحة، وإنما أضيفت إليهم فئة أخرى هى «من فى حكمهم». وهذه الإضافة تفتح الباب لمحاكمة كل من يصطدم بالعاملين فى المشروعات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة مثلا، كمحطات البنزين وشركات المقاولات وتعبئة مياه الشرب والمستشفيات والفنادق. وهو ما أيده رئيس القضاء العسكرى فى الحوار التليفزيونى الذى أجرى معه هذا الأسبوع. إشارة اختصاص القضاء العسكرى بنظر الجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولأن عضو المخابرات العامة ليس له مواعيد عمل، بما يعنى ان خدمته مستمرة طوال 24 ساعة يوميا، فمؤدى ذلك تحصينه وتهديد كل من يدوس له على طرف بأن يحاكم عسكريا. التفصيل الملفت للانتباه فى الجرائم التى يقدم بسببها المدنيون إلى القضاء العسكرى، وهى التى ترك تحديدها للقانون فى الدستور المعطل، بحيث شملت المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة «أو فى حكمها» وهذه العبارة الأخيرة فضفاضة وتثير تساؤلات عديدة حول الاحتجاج بها فى تحصين المشروعات الاقتصادية التابعة للقوات المسلحة. الإفراط فى تفصيل الجرائم التى يقدم بسببها المدنيون للقوات المسلحة بحيث شملت الأمور التى سبقت الإشارة إليها، وأضيفت إليها عبارة الاعتداء على الأموال العامة. ولأن كل ما تم ذكره يدخل ضمن الأموال العامة، فإن ذلك يثير تساؤلا عن السبب فى النص على المصطلح مجددا، وما إذا كان يقصد به شيئا آخر فى «بطن» المشرع العسكرى. الشاهد ان الذين أحسنوا الظن تصوروا أن الدستور الجديد سوف يعالج ذلك النص المعيب فى دستور 2012، إلا أننا فوجئنا بأننا لم نتقدم إلى الأمام كما كان معولا، ولا نحن رضينا بالهم وثبتنا فى مواقعنا، ولكنا فى هذه الجزئية تراجعنا خطوات إلى الوراء. إذ جرى التوسع كثيرا فى محاكمة المدنيين عسكريا. ذلك فضلا عن النص فى المواد الانتقالية على غل يد رئيس الجمهورية واشتراط موافقة مجلس الدفاع الأعلى على تعيين وزير الدفاع لدورتين رئاسيتين مقبلتين، أى طوال السنوات الثمانى القادمة. أدرى أن مناقشة مشروع الدستور فى الوقت الراهن لا قيمة لها، لان الإعلان الدستورى الذى أنشأ لجنة الخمسين نص على وجوب الانتهاء من التعديلات وإجراء حوار مجتمعى حولها خلال ستين يوما. ولم تلتزم اللجنة بشىء من ذلك. فهى قدمت دستورا جديدا ولم تعدل شيئا من المعطل. ولم تلتزم بمدة الستين يوما، ولا أجرت أى حوار مجتمعى حول المشروع الذى أعد فى جلسات مغلقة لم يعرف المجتمع شيئا عما دار وراء أبوابها. بسبب من ذلك فإن ما ذكرته يمكن تصنيفه باعتباره من قبيل المداولة التى تجرى بعد الحكم، فتحدث ضجيجا ولا تصلح عوجا، وهو ما قبلت به إبراء للذمة، ولأن الساكت عن الحق شيطان أخرس. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مداولة بعد الحكم مداولة بعد الحكم



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon