توقيت القاهرة المحلي 05:54:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عودٌ غير حميد

  مصر اليوم -

عودٌ غير حميد

فهمي هويدي

اقتحم نحو خمسين شخصا من رجال الأمن مقر المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل منتصف ليلة الخميس 19 ديسمبر، وألقوا القبض على ستة من العاملين به، وقاموا بتحطيم بعض محتويات المكان، والاستيلاء على بعض أجهزة الكمبيوتر الموجودة به. نُقل الستة إلى مكان غير معلوم، وفى الصباح تم إطلاق سراح خمسة منهم، فى حين احتجز أحد النشطاء (محمد عادل من حركة 6 أبريل). وطبقا لما تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى على لسان المحامى محمود بلال، الذى كان أحد المفرج عنهم، فإنهم تعرضوا للإهانة والضرب خلال فترة احتجازهم، وقد كسرت نظارته جراء ذلك، حيث كان الضرب هو الرد على تساؤل يتفوه به أى واحد منهم عن سبب ومكان احتجازه. لم يكن مصادفة أن يتم اقتحام المقر فى ليلة الإعداد لعقد مؤتمر فى نفس المكان صبيحة الخميس للتضامن مع عمال بعض المصانع الذين أهدرت حقوقهم وتعرضوا للفصل التعسفى. وطبقا للمعلومات التى تم تسريبها فإن الاقتحام تم فى حين كانت المجموعة الموجودة داخل المقر تعد شريطا مصورا للعرض أثناء جلسة المؤتمر المفترض. المنظمات الحقوقية المصرية أصدرت بيانات عدة أعربت فيها عن رفضها واستنكارها لما حدث، خصوصا أنها اعتبرته رسالة لا تستهدف مركز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية وحده، ولكنها موجهة أيضا الى جميع المنظمات الحقوقية التى تنشط فى مجال الدفاع عن الحقوق والحريات العامة. وفيما ذكرت بيانات تلك المنظمات فإن توقيت الرسالة له دلالة أيضا. صحيح أن الاقتحام تم قبل عقد مؤتمر التضامن مع العمال المضربين، إلا أنه تم أيضا بعد الانتهاء من إعداد مشروع الدستور الجديد والتحضير للاستفتاء عليه، واتساع دائرة الحوار حول ترتيبات إقامة الوضع المستجد، وما إذا كان ينبغى إجراء الانتخابات البرلمانية أولا أم الرئاسية. وحين يتزامن الهجوم على المركز الحقوقى فى هذه الظروف فإن ذلك يفهم باعتباره مؤشرا على الاتجاه إلى إقامة الدولة الأمنية التى تعصف بالحقوق والحريات وتعتبر المنظمات المدافعة عنها خصما يجب قمعه وإقصاؤه. ما جرى يثير القلق من نواحٍ عدة. ذلك أننا بصدد مشهد مأخوذ بالكامل من عصر مبارك والعادلى. وقد رأيناه فى عناصر الجهاز الأمنى الذين ارتدوا الثياب المدنية، واقتحامهم المركز دون أن يكون معهم أى سند قانونى ذلك (إذن تفتيش مثلا)، ثم تحطيمهم للأثاث الموجود واعتداؤهم بالضرب على الحاضرين، والاستيلاء على أجهزة الكمبيوتر. وبعد ذلك نقل المحتجزين إلى مكان مجهول وترويعهم طوال الليل، كل ذلك لأن المركز كان بصدد عمل سلمى وقانونى لا يعيبه إلا شىء واحد هو أنه على غير هوى السلطة. الملاحظة الأخرى المهمة أن تصرّف الجهاز الأمنى اتسم بدرجة من الجرأة مثيرة للانتباه. إذ حين يلجأ إلى الأساليب القديمة ذاتها، فى الاقتحام والضرب والترويع فإنه يقول لنا بصريح العبارة إن نظام مبارك عاد مرة أخرى، وإن الثورة كانت مجرد فرقعة أحدثت دويا فى فضاء المنطقة حينا من الدهر، ثم عادت الأمور إلى سابق عهدها مرة أخرى. الأمر الثالث أن عنف الأجهزة الأمنية إذا كان قد تم تبريره بذريعة مكافحة الإرهاب فإن ما حدث يدفعنا إلى إعادة النظر فى ذلك الادعاء، بمعنى أن القمع الذى تمارسه الأجهزة الأمنية هو فی حقيقته سياسة ممنهجة للتصدى لكل صور المعارضة فى البلد، السلمية وغير السلمية. ورغم أن المنظمات الحقوقية يتعذر تصنيفها ضمن «المعارضة» ودورها لا يتجاوز حدود «المراقبة»، حيث ينحصر فى محاولة الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، إلا أنها لم تسلم من الأذى المفرط. الأمر الرابع أن ما حدث ليس عدوانا على مركز حقوقى فحسب، وليس رسالة تحذير للمراكز والمنظمات المماثلة الأخرى فحسب، ولكنه أيضا يشيع قدرا من المشاعر السلبية إزاء التغير الذى طرأ فى مصر بعد الثالث من يوليو، الذى نراه الآن بمثابة إحياء للدولة الأمنية وانقلابا على أهداف وشعارات 25 يناير 2011، التى نادت بالحرية والكرامة الإنسانية. خلال الأسبوع الماضى تردد مصطلح «إبهار العالم» على لسان الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، وسمعنا المصطلح ذاته يتردد فى أحاديث وخطابات عدد آخر من المسئولين. وكان واضحا أنهم مهتمون بسمعة البلد فى الخارج، وقصدوا بذلك تشجيع الناس وحقهم على الاحتشاد والمشاركة فى الاستفتاء على الدستور. ولا أعرف كيف أقنعوا أنفسهم بأن ظهور الحشود فى الصور يحقق ذلك الإبهار المنشود، ناسين أن التغول الأمنى والقمع الذى يمارس بحق الناشطين والمعارضين يشوه سمعة البلد ويفضحها، بما يمحو أى تأثير متوقع لصور الحشود أيا كان عددها. ناهيك عن أن ممارسة المجتمع لحريته وإحساس أهله بالكرامة وثقتهم فى احترام مؤسسات الدولة للقانون ولمبادئ الإنسان أهم بكثير من إبهار العالم. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودٌ غير حميد عودٌ غير حميد



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon