توقيت القاهرة المحلي 08:51:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر على أبواب العرقنة

  مصر اليوم -

مصر على أبواب العرقنة

فهمي هويدي

عندما يشب أى حريق، فالعقلاء والأسوياء يبادرون إلى حصاره وإطفاء ناره، ووحدهم الحمقى والمجانين الذين يدعون إلى تأجيج ناره وتوسيع نطاقه. وأخشى ان يكون الصوت العالى والمسموع فى مصر الآن لأولئك الاخيرين، الذين يلحون على الانتقام والتوسع فى القمع والإسراع فى عقد المحاكمات العسكرية ونصب المشانق وإهانة وإذلال المعتقلين والمشتبهين. هم أيضا الذين يشجعون على مهاجمة البيوت وتحطيم المحال التجارية وترويع كل من ينتسب إلى الشعب «الآخر»، الذى جرى ضم ناسه إلى فئة المنبوذين (للعلم المنبوذون فى الهند يطلق عليهم اسم «شودرا» وعددهم نحو مليونى شخص، وهو للمصادفة نفس العدد المقدر لأعضاء جماعة الإخوان فى مصر). أدرى أن الكلام عن السياسة فى مصر الآن من المكروهات بل المنكرات، باعتبار أنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة التى تقودها الأجهزة الأمنية والسيادية. وهى التى صارت المصدر الأساسى لتشكيل الرأى العام، من خلال وسائل الإعلام، التى تحولت إلى ذراع لما يسمى بالتوجيه المعنوى التابع للمؤسسة الأمنية. والسياسة كما أفهمها هى التى تقدم العقل على العضلات وتتوسل بالحجة وليس بالهراوات، وتنتصر للمصلحة العليا للوطن قبل أى فصيل أو مؤسسة مهما كان سلطانها. العقل والرشد الذى أدعو إلى الانحياز إليه لا يستصحب أى تهاون مع الإرهاب وأهله، لكنه يدعو إلى التعامل معه بكل حزم وشدة يقررهما القانون. وهذا الاحتكام للقانون يقتضى تحديد الجناة سواء كانوا محرضين أو فاعلين. وذلك جانب تختص به مؤسسات أمنية وقضائية، تنهض بمهمتها فى ضوء الإجابة على السؤال من؟ وفى هذه الحالة فإن العقلاء والراشدين من أهل السياسة والفكر والإعلام يتعين عليهم أن يجيبوا على أسئلة أخرى مهمة من قبيل: لماذا؟ وما العمل؟ هؤلاء العقلاء والراشدون لابد لهم ان يدركوا ان الأمن مهمة أكبر بكثير من ان ينهض بها جهاز الأمن وحده. وان الكلام عن إقامة الدولة البوليسية والحكومة العسكرية والعودة إلى قانون الطوارئ، هو منزلق خطر لا يعيد إنتاج دولة الاستبداد فحسب، ولكنه يفرغ الثورة من مضمونها، ناهيك عن أنه يفتح الأبواب على مصراعيه لتأجيج نار الحريق وتوسيع نطاقه. ان أخشى ما أخشاه أن نكون بصدد الاستجابة لأصوات التصعيد والانفعال ودعاة إذكاء الحريق، بأكثر من الاستجابة لصوت العقل والرشد. ذلك اننا فى حين ندعو إلى الحزم فى التعامل مع الإرهاب من خلال المؤسسة الأمنية وجهات التحقيق والقضاء، نجد أن الجميع تحولوا إلى رجال أمن وقضاة. وفى حين أثبتت الأحداث أن ثمة قصورا فى أداء أجهزة الاستخبار والتحرى، نجد أن وسائل الإعلام تتسابق فى تغطية تلك الثغرة الخطيرة وتتبرع بصرف الانتباه عن الخلل فى أداء تلك الأجهزة. إن من يتابع الصحف المصرية التى صدرت أمس يلاحظ أنها تنافست على التهييج والتحريض، وبعضها أرشد عن المتهمين وقام بالمحاكمة، وأصدر الحكم بالاستئصال والإعدام. وأن غطى ذلك الموقف الأمنى، فلا استبعد أن يكون الإرهابيون الذين قاموا بتفجير مديرية أمن الدقهلية كانوا من أسعد الناس بذلك الأداء. على الأقل لأنه صرف الأنظار عنهم وحولها إلى غيرهم. لقد ظل الخطاب السياسى والإعلامى يعبئ الرأى العام طول الأشهر الستة الأخيرة ضد شيطنة الآخر، الذى صار الإرهاب عنوانا عريضا له. وبعد كل الإجراءات التى اتخذت والثمن الذى دفع مقابلها، سواء فى الضحايا الذين سقطوا أو الألوف الذين اعتقلوا، أو الشلل الاقتصادى الذى صرنا إليه، والأصداء السلبية التى ترتبت عليها، رغم كل ذلك فإننا اكتشفنا أن الإرهاب الحقيقى لايزال طليقا وقادرا على ان يرتكب جرائمه ويصعد من مواجهته وتحدِّيه للمؤسسات الأمنية. إن غاية ما أرجوه أن تقوم مؤسسات الأمن والتحقيق بدورها فى تعقب الجناة وإحباط مخططاتهم ومحاسبتهم، وان ينهض الراشدون والعقلاء بدورهم فى محاولة إطفاء الحريق وحصار نيرانه لإنقاذ الوطن مما هو أسوأ. صحيح أن الإرهاب الإعلامى نجح فى ترهيب وإسكات أصوات الراشدين، لكننا لانزال نعول على جرأة بعضهم وشجاعتهم فى الدعوة إلى التمييز بين المعتدلين والغلاة فى الساحة الإسلامية التى باتت تهمة الإرهاب لصيقة بها. علما بأن البلد لا يحتمل تفعيل هذه التهمة لكى يتحول الجميع إلى إرهابيين، لأن تلك هى الوصفة الناجحة لتوسيع نطاق الحريق وتحويل الحرب الأهلية الموهومة بين «الشعبين» إلى حرب حقيقية يكون الوطن ضحيتها الأولى. وما لم يرتفع صوت الراشدين، وما لم تسترد السياسة موقعها المغيب فإن مصر ستصبح مرشحة لأن تكون عراقا أخرى والعياذ بالله. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر على أبواب العرقنة مصر على أبواب العرقنة



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon