توقيت القاهرة المحلي 01:35:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نداء مشكوك فى احتذائه

  مصر اليوم -

نداء مشكوك فى احتذائه

فهمي هويدي

هل يمكن أن نقيم عازلا بين الخلافات السياسية بين الأنظمة والحكومات وبين انسياب العلاقات بين الشعوب الشقيقة؟ السؤال من وحى نص نداء تلقيته من الجزائر موقعا من أكثر من 1500 شخص من المثقفين والأكاديميين الجزائريين والمغاربة دعوا فيه إلى «اعتبار المسار المغاربى مسألة جوهرية، وعدم ربطه بشرط فض الخلافات السياسية، والكف عن تأليب الشعبين ضد بعضهما البعض بالمزايدات والشحن الإعلامى، مع العمل على تسوية المشكلات القائمة بين البلدين بحكمة ووفق المصالح المشتركة». القضية بعيدة عن أذهان كثيرين من أهل المشرق، الذين لا يذكرون على الأغلب ان الحدود مغلقة بين الجزائر والمغرب منذ عشرين عاما وهما أكبر بلدين فى الاتحاد المغاربى (عدد السكان فيهما يربو على 70 مليون نسمة). وسبب الأزمة راجع فى ظاهره إلى عوامل عدة على رأسها قضية الصحراء التى تتبناها جبهة «البوليساريو» المؤيدة من قبل الجزائر، والداعية إلى انفصال منطقة الصحراء واستقلالها عن المملكة المغربية. وخلال العقدين الماضيين خيم التوتر جراء ذلك على علاقات البلدين، الأمر الذى انتهى إلى إحداث الخصومة والقطيعة بينهما، فى حين أن التداخل والوشائج التاريخية والثقافية والاجتماعية بين الشعبين أقوى منها مع أى شعب آخر فى المنطقة. ليس فقط على صعيد المصالح المشتركة (يخسران سنويا ما يزيد على 10 مليارات دولار بسبب القطيعة) ولكن أيضا على صعيد التداخل السكانى (الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة من مواليد مدينة وجدة المغربية) علما بأن القبائل العربية والامازيغية منتشرة على الجانبين. مثقفو البلدين انخرط بعضهم فى التجاذب فى حين أن البعض الآخر نأى بنفسه عن ذلك، وهؤلاء الأخيرون كنا نسمع انتقاداتهم وأصواتهم فى مناسبات عدة، معبرة عن الضيق بالقطيعة والاستياء من تداعياتها، بل والتشكيك فى دوافع استمرارها. ما يقوله المثقفون الجزائريون فى ذلك كنا نسمعه من نظرائهم المغاربة، وعلى حد علمى فإن بعض مثقفى المغرب طرحوا فى العام الماضى فكرة تنظيم مسيرة عربية تكسر الحاجز وتخترق الحدود مع الجزائر (طولها 1560 كيلومترا) لإعادة اللحمة وتأكيد رفض استمرار القطيعة المرذولة، وتمنى هؤلاء على مصر أن تتقدم تلك المسيرة وتقودها باعتبارها الشقيقة الكبرى، وكنت أحد الذين اشتركوا فى مناقشة الاقتراح، إلا أن الظروف التى يعرفها الجميع حالت دون إخراجه إلى حيز التنفيذ. لا أستبعد ان يكون المثقفون فى البلدين قد يئسوا من مساندة المشارقة لموقفهم، فقرروا أن يأخذوا زمام المبادرة، ويسجلوا ذلك الموقف فى النداء الذى حمل توقيعات الرموز الثقافية فى البلدين. فى ندائهم انتقدوا تردى علاقات البلدين وسيرها «من سىء إلى أسوأ»، كما انتقدوا «الطابع التسلطى لنظام الحكم المعتمد بعد الاستقلال، إضافة إلى غياب المبادرات المستقلة لدى المثقفين والمجتمع المدنى فى البلدين». ولاحظوا أنه «كلما كانت هناك بوادر للانفراج بين الدولتين إلا ووقع إجهاضها». فى تشخيص الواقع ذكر النداء «أن الوضعية التى نعيشها اليوم هى وضعية غير معقولة، تكتسى طابعا عارضا لا يمكنه أن يسد الآفاق الواعدة، ولا أن يحجب الحاجة الملحة إلى بناء فضاء مغاربى مستقر، ينعم فيه الشعبان بالازدهار والحرية». السؤال الذى طرحته فى البداية كنت قد سجلت ردى عليه بالايجاب فى كتابات سابقة، تمنيت ألا تختزل فيها الأوطان فى أشخاص أو أنظمة. وناديت بالتخلى عن فكرة التعامل مع الأقطار بحسبانها قبائل ملحقة بكبيرها، وتمنيت ألا يلقى الخلاف السياسى بظلاله الكئيبة على مسارات الأنشطة الأخرى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. ومن جانبى بادرت إلى تنفيذ الفكرة حين «تهورت» قبل ثلاثين عاما وقمت بالذهاب إلى إيران لإعداد كتابى عن ثورتها فى عز خصومة السادات لها، ودفعت ثمنا لذلك حين عاقبنى الرئيس بوضع اسمى على رأس المستبعدين من جريدة الأهرام عام 1979. المثقفون الجزائريون والمغاربة الذين أطلقوا النداء لم يسجلوا موقفهم المستقل عن سياسة الحكومات فحسب، ولكنهم أيضا أثبتوا ولاءهم لأمل شعوبهم فى العيش المشترك الذى ينعم فيه الجميع بالازدهار والحرية، أعنى أنهم كانوا معبرين عن ضمير مجتمعهم وليسوا أبواقا لحكوماتهم. وتلك لعمرى بادرة جديرة بالحفاوة والتشجيع والاحتذاء. وإذ أتمنى أن يحققوا مرادهم، إلا أننى لست واثقا من أننا يمكن أن نصدر نداء مماثلا نجمع فيه توقيعات الغيورين من المثقفين والأكاديميين المصريين مع أقرانهم الأتراك والإيرانيين والسوريين والقطريين والفلسطينيين، يدعو إلى تصفية الحسابات السياسية ومعالجة ملفاتها بعيدا عنهم، وبمعزل عن روابط شعوبهم ومصالحها. وهى فكرة ألقيها وانسحب بسرعة، لأن أجواء الاحتقان والاستقطاب جرفت مثقفينا وألحقت أغلبهم بفصائل العراك السياسى، بحيث باتت الدعوة إلى الدفاع عن العلاقات مع الأشقاء وعن حلم الوحدة المشترك، تهمة تصم صاحبها بالعمالة والإرهاب والتخابر والعياذ بالله. إن البعض عندنا صاروا يتحدثون بجرأة عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكن الدعوة إلى تطبيع العلاقات مع الأشقاء صار يتطلب حذرا ولا يخلو من مغامرة! نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نداء مشكوك فى احتذائه نداء مشكوك فى احتذائه



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 00:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سمية الألفي تكشف السبب من وراء بكاء فاروق الفيشاوي قبل وفاته

GMT 10:56 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسلات إذاعية تبثها "صوت العرب" فى نوفمبر تعرف عليها

GMT 23:21 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

أهم النصائح للعناية بالشعر في المناطق الحارة

GMT 08:55 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

حارس ريال مدريد السابق يعلن شفاءه من فيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon