توقيت القاهرة المحلي 01:00:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن

  مصر اليوم -

عن أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن

فهمي هويدي

يوم 27 يناير الماضى أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية بيانا ذكرت فيه أن اتصالا هاتفيا تم بين وزير الدفاع تشاك هيجل وبين المشير عبدالفتاح السيسى، تناول ثلاثة أمور، هى: الوضع بعد الاستفتاء على الدستور الجديد ومظاهرات ذكرى 25 يناير التى تخللها بعض أعمال العنف، والخطوات القادمة فى العملية الانتقالية، أضاف البيان ان الوزير الأمريكى قدم للمشير السيسى العزاء فى ضحايا العمليات الإرهابية وعرض مساعدة بلاده للإدارة المصرية فى مواجهتها للإرهابيين. هذا الاتصال لم يكن الأول من نوعه كما أنه ليس الأخير، ولكنه يحمل رقم 34 فى الحوارات المستمرة بين الوزيرين منذ شهر يوليو الماضى، والتى باتت تتم بمعدل مرة كل أسبوع تقريبا، ومن قراءة البيانات التى تعلنها وزارة الدفاع الأمريكية نلاحظ أن الموضوع الأساسى فى تلك الاتصالات هو تطورات الوضع السياسى الداخلى فى مصر، الأمر الذى ينفى الأخبار التى تروج لها وسائل الإعلام المصرية، التى تتحدث عن تآمر أمريكى على مصر، ذلك أنه من غير المعقول ان تستمر الاتصالات وتنتظم على ذلك النحو فى حين تمضى الإدارة الأمريكية فى تآمرها على النظام الذى يتصدر المشير السيسى مقدمته. إزاء ذلك فإننى أزعم إن العلاقة المصرية الأمريكية أعمق وأكثر تعقيدا مما تصوره وسائل الإعلام المصرية، التى كثيرا ما تعمد إلى اختزال المشهد وخلط أوراقه لأسباب متعلقة بحسابات الاستهلاك الداخلى. (2) احتفظ بمقالة نشرتها مجلة تايم الأمريكية (فى 18/8/2013) عنوانها «مصر لم تعد مهمة»، وفيه نقل كاتبه بوبى جوش عن جنرال أمريكى رفيع المستوى قوله إن مصر كانت بلدا مهما فى الستينيات والسبعينيات لكنها لم تعد كذلك الآن، إذ كانت وقتذاك نقطة ارتكاز العالم العربى وأهم بلد فيه دون جدال. إلى جانب أنها كانت تشكل تهديدا لإسرائيل، إلا أن الشرق الأوسط تغير بعد ذلك، لكن مصر لم تتغير، حيث تراجع أداؤها السياسى والثقافى. وكانت نتيجة ذلك أن فائدة مصر بالنسبة للولايات المتحدة كمحاور عن العالم العربى تقلصت كثيرا. إضافة إلى أنها لم تعد تمثل تهديدا جديدا لإسرائيل. هذا الكلام صدر بعد إعلان الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى النصف الثانى من عام 2011 عن التزام بلاده استراتيجية «المحور الآسيوى»، التى فى ظلها تركز الولايات المتحدة على التحديات والتهديدات التى تمثلها الصين بمؤشرات نموها المتصاعدة، التى ترشحها لأن تصبح القوة الاقتصادية العظمى فى العالم بحلول عام 2017 (الاقتصاد الصينى ينمو بنسبة تتراوح بين 7 و10 سنويا فى حين ينمو الاقتصاد الأمريكى بنسبة تقل عن 3٪ سنويا). فى خلفية الكلام يكمن أيضا تقرير وكالة الطاقة الدولية الصادر فى نهاية عام 2012، الذى توقع اقتراب الولايات المتحدة من بلوغ الاكتفاء الذاتى النفطى فى عام 2030. وذلك الاكتفاء يمهد لتراجع أهمية الشرق الأوسط فى سلم أولويات الاستراتيجية الأمريكية. إلا أن فكرة استغناء الولايات المتحدة عن نفط الشرق الأوسط والتركيز على آلمحور الآسيوى ليست محسومة تماما فى التفكير الأمريكى. حتى إن «فورين بوليسى» تحدثت عن «ذبولها»، بعدما تبين أن التكلفة الباهظة للنفط غير التقليدى قد تقوض فرص إحلاله محل نفط الخليج، يؤيد ذلك أن وزارة الدفاع الأمريكية تبنت استراتيجية جديدة فى الشرق الأوسط أعادته إلى بؤرة الاهتمام إلى جانب المحور الآسيوى. تجلى ذلك فى الإعلان عن إقامة مشروع قاعدة «درون» (الطائرات بدون طيار) الفخمة فى صحراء النيجر إلى جانب إنشاء سلسلة قواعد عسكرية استخباراتية أمريكية فى جيبوتى وجزر سيشيل وإثيوبيا وكينيا وأوغندا وموريتانيا وبوركينا فاسو. هذا الاتجاه الأمريكى الأخير صوب تعزيز الاحتياطات الأمنية فى المنطقة يبدو تحسبا لاحتمالات انطلاق شرارات العنف والتطرف فى الشرق الأوسط وفى مصر بوجه أخص. على الأقل فذلك ما عبرت عنه مقالة نشرتها نيويورك تايمز فى 6/1/2014 لاثنين من الخبراء الأمريكيين البارزين، هما: دانيال بنجامين مسئول مكافحة الإرهاب السابق فى الخارجية الأمريكية. وستيفين سيمون مدير مركز أبحاث الشرق الأوسط السابق بمجلس الأمن القومى الأمريكى. وهما يذكران أن الحرب المعلنة فى مصر ضد الإخوان الذين نبذوا العنف منذ سبعينيات القرن الماضى تنذر بتجدد العنف فى المنطقة وانتشاره فى أقطارها، الأمر الذى من شأنه أن يستهدف المصالح الغربية والأمريكية ويقوض أمن إسرائيل. (3) فى تحرير العلاقات المصرية الأمريكية التى تنسج من حولها العديد من الأساطير والأوهام، سأعرض خلاصة لشهادات لثلاثة من الخبراء المصريين الذين ضاع صوتهم وسط المزايدات والهرج السائد فى الساحة الإعلامية المصرية، الثلاثة هم السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأمريكية، والدكتورة منار الشوربجى أستاذة العلوم السياسية المتخصصة فى الشأن الأمريكى، والسيد محمد المنشاوى مراسل جريدة الشروق فى واشنطن. فى شهاداتهم أوردوا المعلومات التالية: • فى الاستراتيجية الأمريكية هناك خطان أحمران يحكمان علاقات واشنطن بالقاهرة. أولهما التعاون العسكرى الذى يعد حجر الأساس للتصورات الأمنية الأمريكية فى علاقاتها بأحد أهم إقاليم العالم. وفى ظل التعاون تتمتع الولايات المتحدة بوضع خاص على مستويات ثلاثة، هى: المرور فى قناة السويس ــ استخدام المجال الجوى المصرى ــ التعاون الاستخبارى. والمعونات التى تقدمها الولايات المتحدة لمصر هى بمثابة إسهام من جانبها فى استقرار أوضاعها بما يسمح بالحفاظ على استمرار المصالح سابقة الذكر. الخط الأحمر الثانى الذى تحدث عنه الرئيس أوباما صراحة يتمثل التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل. وفى حديثه عن هذه المسألة قال إن أى اهتزاز لمعاهدة السلام يضع أمن إسرائيل بل أمن الولايات المتحدة على المحك. • من هذه الزاوية يعد التعاون والتسهيلات العسكرية ومعاهدة السلام من الأصول التى لا تحتمل الاختلاف أو الاجتهاد فى علاقات البلدين فى ظل موازين القوة الراهنة، وكل ما عدا ذلك يعد فروعا قابلة الاختلاف والاجتهاد بما فى ذلك من يحكم مصر أو السياسات الداخلية التى يتبعها الطرف الحاكم. بكلام آخر فإن استحقاقات الأصول فى علاقات البلدين تعد من التكاليف الضرورية، أما ما عدا ذلك فهى أمور تحتمل التناصح فضلا عنها تظل من الأمور التحسينية إذا استخدمنا لغة الأصوليين. • فى الأمور الفرعية والتحسينية تلتزم الولايات المتحدة بقوانينها وحساباتها السياسية ويهمها استقرار الأوضاع فى مصر، بصرف النظر عمن يحكمها، وليس ذلك حبا فى سواد عيون المصريين بطبيعة الحال، ولكن لأنها تعتبر أن ذلك الاستقرار يؤمن مصالحها المتمثلة فى التعاون العسكرى وأمن إسرائىل. • ليس صحيحا أن الإدارة الأمريكية انحازت للدكتور محمد مرسى أو تعاطفت مع حكم الإخوان. وكل ما قيل فى هذا الصدد هو مجرد خيالات من صنع أصحابها (العبارة للزميل محمد المنشاوى فى مقال له بتاريخ 1/7/2013). بل إن الإدارة الأمريكية لم تبدِ أى ترحيب بفكرة اجتماع الدكتور مرسى مع الرئيس الأمريكى، الذى لم يحرص على لقائه حين زار نيويورك فى سبتمبر 2012 لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، والمرة الوحيدة التى كال فيها أوباما المريح للدكتور مرسى كانت بعد نجاح الأخير فى تحقيق وقف إطلاق النار بعد الاعتداء الإسرائيلى على غزة فى شهر نوفمبر عام 2012، فيما عدا ذلك فإن الإدارة الأمريكية دأبت على دعوة الرئيس المصرى إلى تحقيق التوافق مع مختلف القوى والتيارات السياسية الأخرى، هذا فى الوقت الذى ظل فيه الكونجرس أكثر المؤسسات الأمريكية عداء للإخوان ونظامهم. • إقدام واشنطن على تقليص المساعدات أو تأجيل تسليم الطائرات للجيش المصرى لم يكن موقفا مناهضا لنظام الثالث من يوليو بقدر ما كان تطبيقا للقانون الأمريكى الذى يقضى بحظر تقديم المساعدات لأى دولة تتم الإطاحة برأسها المنتخب من خلال الانقلاب العسكرى، وقد جاملت واشنطن النظام الجديد حين ترددت فى اعتباره انقلابا عسكريا. وانتظرت ثلاثة أشهر، لكى تنفذ قانونها الخاص بقطع المعونة. ثم سعت لتعديل القانون من خلال الكونجرس للاستمرار فى إرسال المساعدات للدول الحليفة. وهذا ما حدث مع دول أخرى مثل باكستان وشيلى وهندوراس. بالتالى فليس صحيحا أن الإدارة الأمريكية ناصبت مصر العداء حين أوقفت المساعدات ولا هى عادت إلى رشدها حين استأنفتها، لأن لها فى النهاية مصالح عليا تريد أن تستمر فى الحفاظ عليها. وفى مقابل ذلك فهى ستظل تدعم من يحكم مصر، أيا كانت هويته طالما أنه لم يمس تلك المصالح (د. منار الشوربجى ــ المصرى اليوم 23/1/2014). (4) أدرى أن ثمة خلافات بين مصر والولايات المتحدة فى الوقت الراهن، لكنها تظل فى حدود الأمور التحسينية والفروع وليس الأصول المتمثلة فى جوهر التحالف الاستراتيجى. إلا أنه يحلو للبعض من المتحمسين والمهرجين السياسيين أن يصوروا الأمر بحسبانه تحديا من جانب مصر للإدارة الأمريكية يستعيدون به فى الأذهان نموذج المرحلة الناصرية ورمزها التاريخى. وهم فى ذلك ينسون أن معركة عبدالناصر انصبت على الأصول وليس الفروع. حيث كان رافضا للتحالف الاستراتيجى مع الولايات المتحدة من الأساس، وهو ما تورطت فيه مصر فى عهد السادات ثم مبارك ولا يزال يكبل مصر إلى الآن. ولا ننسى أن ضم مصر إلى الدول الداخلة ضمن القيادة المركزية الأمريكية تم فى عام 1983، بعد معاهدة السلام مع إسرائيل وأثناء حكم السادات. إن ما بين القاهرة وواشنطن الآن ليس معركة حقيقية، وانما هو مجرد خلاف فى الفروع يتم فى إطار التحالف الاستراتيجى بين البلدين، والادعاء بغير ذلك يعد تروجيا لأسطورة تخدع الجماهير وتدغدغ مشاعرها. وبالتالى فإن الحديث عن شخص عبدالناصر وتجربته فى الوقت الراهن يعد بمثابة كذبة كبرى. لأن ذلك الحديث لا يجوز طالما ظلت مصر فى داخل ذلك التحالف المشئوم، الذى لن تستطيع مصر أن تتحلل منه إلا إذا كانت تملك شجاعة تجاوز الخطوط الحمراء. وتلك جولة لها شروط عدة لا أرى أيا منها متوفرا فى الوقت الراهن إلا على ألسنة المزايدين وأغانى المطربين

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن عن أسطورة الصراع بين القاهرة وواشنطن



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 00:01 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

سمية الألفي تكشف السبب من وراء بكاء فاروق الفيشاوي قبل وفاته

GMT 10:56 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مسلسلات إذاعية تبثها "صوت العرب" فى نوفمبر تعرف عليها

GMT 23:21 2024 السبت ,14 أيلول / سبتمبر

أهم النصائح للعناية بالشعر في المناطق الحارة

GMT 08:55 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

حارس ريال مدريد السابق يعلن شفاءه من فيروس كورونا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon