فهمي هويدي
«الذكرى الثالثة للثورة شوهتها وحشية الشرطة». كان ذلك هو العنوان الذى تخيرته منظمة العفو الدولية فى تقريرها عما شهدته مصر فى 25 يناير هذا العام، والذى جرى بثه يوم الخميس الماضى 6 فبراير. وكانت المنظمة الدولية ذاتها قد أصدرت تقريرا فى 23 يناير ــ قبل يومين من حلول المناسبة ــ تحت العنوان التالى: خارطة الطريق إلى القمع، لا نهاية تلوح فى الأفق لانتهاكات حقوق الإنسان. والتقريران يرسمان صورة قاتمة للوضع الراهن فى مصر. وقد فصَّل فيها التقرير الذى صدر فى 23 يناير، والذى جاء فى 49 صفحة. إذ خلص إلى أن مصر شهدت خلال الأشهر السبعة الأخيرة «ضربات موجعة سددت إلى حقوق الإنسان، ارتكبت فيها الدولة أعمال عنف على نطاق غير مسبوق.. حتى باتت مطالب 25 يناير فى الكرامة وحقوق الإنسان بعيدة المنال أكثر من أى وقت مضى».. إذا انحدرت مصر سريعا باتجاه مسار المزيد من القمع والمواجهة، حيث عمدت السلطة إلى تضييق الخناق على حرية التعبير عن الرأى والتجمع، كما سنَّت «قوانين قمعية تسهل على الحكومة إسكات صوت منتقديها وقمع الاحتجاجات، وإطلاق العنان لقوات الأمن كى تتصرف فوق القانون كما يحلو لها، ودون إمكانية مساءلتها عما ترتكبه من انتهاكات.. حتى أصبح العرف السائد الآن هو القمع والإفلات من العقاب».
تقرير الخميس 6 فبراير رسم صورة سجلت بعضا مما نعرفه ولا نعرفه مما حدث فى يوم 25 يناير إذ ذكر أن «عدد الاعتقالات كان مروعا. فقد ألقى القبض على أكثر من ألف شخص فى يوم واحد فقط، حسب تصريحات وزارة الداخلية. كما قتل 64 شخصا على الأقل (المصادر المستقلة ذكرت أن عددهم 103، وأسماؤهم موجودة على الإنترنت)، كما جرح مئات فى أعمال العنف التى اندلعت إثر محاولة قوات الأمن فض الاحتجاجات المعارضة للحكومة». ونقلت المنظمة عن أحد المحتجين المفرج عنهم قوله: إن المتظاهرين بمن فيهم الفتيات والنساء تعرضن للضرب عند إلقاء القبض عليهن، مضيفا انه لاحظ أن جدران الزنزانة التى احتجز فيها كانت ملطخة بالدماء. وانه شخصيا تعرض للضرب على الرأس والصفع على الوجه لانتقاده الشرطة والجيش. ونقل التقرير عن إحدى الفتيات قولها إن ضابطا ضربها بالحذاء فى جميع أنحاء جسدها وعلى وجهها، وإن ذلك تكرر مع كل المحتجزين فى مركز الشرطة الذين كانوا معصوبى الأعين، بمن فيهم الأطفال، كما ذكر أن فتاة عمرها 15 عاما تم اعتقالها لأنهم وجدوا فى حقيبتها قناع غاز وبعض الإسعافات الأولية. وحين تم اقتيادها إلى مبنى عسكرى وجدت أن الرجال أجبروا المعتقلين الذكور على خلع ملابسهم الداخلية وجعلوهم يركعون ثم صعقوهم بالكهرباء بينما كانت أعينهم معصوبة. ونقل التقرير عن العديد من المحامين شكواهم من أن النيابة العامة رفضت عرض المعتقلين على الطب الشرعى لإجراء الكشف الطبى عليهم. أضاف المحامون أنهم رأوا بأعينهم آثار تعذيب واضحة على وجوههم وأجزاء أخرى من جسدهم فى سجن طرة، أثناء زيارتهم لهم، مشيرين إلى أن معظم التحقيقات جرت فى غيابهم. وخلصت المنظمة فى تقريرها إلى أن العديد من الرجال والنساء والأطفال المعتقلين كانوا يمارسون حقهم فى حرية التعبير والتجمع أو كانوا من المارة، كما نقلت عن أحد المحتجين قوله إنه لم تطلق الشرطة سراحه إلا بعد أن أعلن تأييده للمشير عبدالفتاح السيسى.
عندى خمس ملاحظات على هذا الكلام هى:
• إن الصورة التى رسمها التقريران تعيد إلى الأذهان عذابات ومسالخ عصر مبارك بالكامل، بالتالى فهى تشكل ردا دافعا على الذين يشككون فى تلك العودة ويحاولون التمسح فى ثورة 25 يناير، فى حين أن تفاصيل الصورة تشكل إعلانا عن مشهد يمثل نكوصا عن الثورة وانتصار الثورة المضادة.
•إن تقرير منظمة العفو الدولية عن أحداث 25 يناير بمثابة «عينَّة» تقرب إلى الأذهان معاناة الواحد وعشرين ألف معتقل الذين ألقوا فى السجون ومعسكرات الأمن المركزى خلال الأشهر السبعة الماضية. كما تذكرنا بالمصير الذى لقيه أكثر من 2600 شخص قتلوا فى تلك الفترة.
• إن التقرير يفضح منظمات حقوق الإنسان فى مصر التى التزمت الصمت إزاء تلك الانتهاكات التى تقشعر لها الأبدان. ويتهمها ضمنا بالتواطؤ مع الأجهزة الأمنية والتستر على ما جرى. استثنى من ذلك التعميم مراكز ومواقع لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة تبنت موقفا نزيها وحاولت أن تسجل الحقيقة بلا مجاملة أو مداراة.
• إن الجهات المعنية فى مصر والأصوات المعبرة عنها تتعامل مع المشهد بأحد أسلوبين، أحدهما الإنكار التام والإدعاء بأن الذين يعدون تلك التقارير ليسوا مدركين لحقيقة الأوضاع فى مصر، رغم أن ممثليهم موجودون فى البلد ومن أقرب الناس إلى ما جرى، الأسلوب الثانى يتمثل فى المسارعة إلى اتهام المسئولين عن إصدار التقارير بالتحامل على مصر والتآمر مع الإخوان. وهى الاتهامات التى أطلقت بحق وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية والألمانية، ولم تسلم منها مؤسسات إعلامية كبرى مثل مجلة تايم والواشنطن بوست ونيويورك تايمز وصحيفة الجارديان، بل لم يسلم منها البرلمان الأوروبى أيضا.
• وفى الوقت الذى تتردد أصداء الفضيحة فى أنحاد العالم التى وزع عليها تلك التقارير، فإننا فى مصر «نستعبط» ونرسل وفودا شعبية إلى عواصم العالم لتحسين صورة البلد، فى حين يظل وزير الخارجية يطرق أبواب مختلف العواصم الأوروبية والأفريقية لإقناع مسئوليها بأن مصر بعد 30 يونيو تعيش أزهى عصور الحرية والديمقراطية.
إن إحدى أكثر المشكلات فى مصر الآن أننا لم نملك بعد شجاعة التطلع إلى وجوهنا فى مرآة الحقيقة. وفى حين نتصور أن بوسعنا أن نضحك على العالم المحيط، فإننا نواصل خداعنا لأنفسنا.
نقلاً عن "الشروق"