فهمي هويدي
ظاهر الأمر حتى الآن أن مصر مقبلة على أزمة مياه، لا خلاف على أنها يمكن ان تتحول إلى كارثة إذا صحت تقديرات الخبراء الذين حذروا من الآثار المترتبة على بناء سد النهضة الإثيوبى الذى يفترض أن يتم بعد ثلاث سنوات (عام 2017)، وهى الآثار التى ستكون لها تداعياتها السلبية الفادحة على أبرز مقومات الحياة والتنمية فى مصر. وما فهمناه ان التفاهم المستمر منذ ثلاث سنوات مع إثيوبيا حول الموضوع باء بالفشل، الذى أعلنه وزير الرى المصرى عقب زيارته الأخيرة لإثيوبيا. فهمنا أيضا أن مصر بصدد اللجوء إلى خيارات أخرى تعددت بشأنها الاجتهادات، التى صرنا نتابعها على صفحات الصحف وبرامج التليفزيون، ولأننى أحتفظ بملف خاص لما ينشر عن الموضوع على الأقل، وقد أتيح لى أخيرا أن أستمع إلى آراء بعض أولئك الخبراء، فإن ذلك يسوغ لى أن أنبه إلى عدة ملاحظات هى:
• إن ملف المياه هو أحد ضحايا سوء الإدارة السياسية فى مصر، سواء قبل الثورة أو بعدها، حيث تم إهماله ولم يؤخذ على محمل الجد حتى اللحظة الراهنة. فمصر منذ تقزيمها وانكفائها فقدت تأثيرها وهيبتها. ذلك ان هشاشة الداخل سحبت من رصيد مصر الخارجى، ومنذ قيل إن %99 من الأوراق فى يد الأمريكيين، فإن مصر تخلت عن أصدقائها كما انصرفت عن محيطها العربى وفقدت حضورها الأفريقى، خصوصا بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسنى مبارك أثناء ذهابه للمشاركة فى القمة الأفريقية فى إثيوبيا عام 1995 الأمر الذى حوّل إهمال الدائرة الأفريقية إلى عزوف عنها وخصومة معها.
• إن الملف موزع على عدة جهات فى مصر، هى قطاع مياه النيل فى وزارة الرى ولجنة الأمن المائى بوزارة الخارجية واللجنة العليا للحياة التى يرأسها رئيس الوزراء، والمجلس القومى للمياه الذى يرأسه الدكتور محمود أبوزيد وزير الرأى الأسبق. وأفترض أن يكون لدى المخابرات العامة اهتمام بالموضوع، باعتبار صلته الوثيقة بالأمن القومى المصرى. والملاحظة الأساسية على ذلك التعدد أنه لم يتم تطويره فى إطار يتولى إدارة الأزمة والتنسيق بين الجهود المختلفة للتعاطى معها. إن شئت فقل إننا بصدد فرق متعددة تلعب فى الساحة دون أن يكون لدينا فريق قومى يقف فى المقدمة، وهو أمر يتعذر احتماله فى قضية بهذه الخطورة، ينبغى أن تتناغم فيها جهود الفنيين مع الدبلوماسيين والقانونيين والسياسيين.. إلخ، من خلال منظومة واحدة.
• إن الملف يدار بواسطة الحكومة وحدها. فى حين أن المجتمع منفصل عنه تماما. قد يسمع عنه فى وسائل الإعلام لكنه ليس شريكا فيه. فلا عقل المجتمع المدنى مشغول به ولا مؤسسات المجتمع منتبهة إليه، فلم نسمع للأحزاب أو القوى السياسية رأيا ما فى الموضوع، ولا لاحظنا دورا لمراكز الأبحاث طرح أى تصور أو مقترحات لمستقبل المشكلة، أما إهدار المياه فى قطاع الزراعة والرى فهو مستمر بالرتابة المعهودة، وكأنه لا شىء يقلق فى الأفق. وفى الوقت الذى تغيب تلك القضية الاستراتيجية عن المجال العام، نجد ان الجهات سابقة الذكر مشغولة بالشأن السياسى وبعضها ضالع ومتفرع للتهريج السياسى.
• إن الرأى العام منفصل عن القضية تماما. فلا تعبئة ولا تنبيه ولا إذكاء لوعى المواطن العادى بالخطر المحتمل. حتى الكتاب الجديد الذى أراد وزير التربية والتعليم أن يرفع به مستوى وعى تلاميذ المدارس (كتاب القيم والأخلاق والمواطنة) وجدناه قد اعتنى بتحفيظ الأجيال الجديدة كلمات المشير السيسى عن أن «مصر أم الدنيا وستبقى قد الدنيا»، ولم يذكرهم بأن المياه شريان الحياة فى مصر ولا ينبغى أن نهدرها. وعلى صعيد الفتاوى وجدنا اهتماما باقناع الناس بتطليق الزوجة الإخوانية وبأن التصويت للاستفتاء واجب شرعى، وأن إضراب الأطباء محرم شرعا، ولم نجد تفكيرا بتوعية الناس بالموضوع. علما بأن النصوص الشرعية التى تحض على عدم الإسراف فى المياه تحقق المراد وزيادة. وهذه مجرد أمثلة على التراخى والهزل فى المسألة. ولا أريد أن أضيف أمثلة أخرى عن المياه التى تسيل فى الشوارع والمساجد طول الوقت أو عن البحيرات وملاعب الجولف التى تظهر فى إعلانات التليفزيون كى تجذب الناس إلى المنتجعات الجديدة.
إن السؤال الذى يطرح نفسه فى ضوء هذه الخلفية هو: إذا لم نكن جادين فى إدارة الأزمة، وإذا لم نكن متحمسين لتحميل المجتمع مسئوليته إزاء تداعياتها، فلماذا نكتفى بتوجيه اللوم إلى الإثيوبيين ونأخذ عليهم عدم تجاوبهم مع مجهوداتنا؟ ــ والسؤال له صياغة أخرى كالتالى: إذا كان أداؤنا يشوبه ذلك القدر من الهزار، فلماذا نطالب الإثيوبيين بأن يأخذوا كلامنا على محمل الجد؟
نقلاً عن "االشروق"