فهمي هويدي
أصبحت أشعر بالغيرة من دينا الراقصة. وقبل ان يتسرع أى أحد ويظن أننى بصدد التحول التماسا للأمان وتجنبا لإثارة الشبهات، أسجل أن غيرتى ليس لها أدنى علاقة بالمواهب أو المهنة، لكنها تتعلق بالنفوذ فقط. ذلك اننى طالعت فى الصحف ذات صباح خبرا يقول إن دينا اكتشفت سرقة مبلغ كبير من بيتها. وإنها ما إن أبلغت الشرطة بالواقعة حتى تحركت على الفور وضبطت الجناة وأعادت إليها المبلغ المسروق خلال 24 ساعة. ولم تكن تلك الهِمَّة مقصورة على السيدة دينا وحدها، لاننى سبق أن قرأت اخبارا مماثلة عن أصبحت فنانين تعرضوا للسرقات أو الاعتداء على ممتلكاتهم وقامت الشرطة بواجبها إزاءهم بكفاءة مشهودة، حيث ضبطت المتهمين وردت الحقوق فى أوقات قياسية.
وحدها المصادفة هى التى جعلتنى أخص السيدة دينا بالغيرة، ذلك اننى حين وقعت على قصتها فى ذلك الصباح، كنت أمر بظروف شخصية دعتنى إلى المقارنة فى الحظوظ بين تعامل الشرطة وبين ما حدث معى. ورغم اننى أستنكر من الكتاب والمعلقين إشغال القراء بأمورهم الشخصية، لأننى اعتبر الجريدة ملكا للقارئ وليس لكتابها، إلا أننى أستأذن هذه المرة فى إيراد بعض الأمور الشخصية، ليس لكى أنعى حظى بالمقارنة بحظ الراقصة الشهيرة، وإنما لاقتناعى بأننا بصدد قضية عامة تستحق التنويه.
الظروف الشخصية التى أعنيها تتمثل فيما يلى: قبل الثورة مباشرة، سرقت سيارتى من أمام منزلى، فسارعت إلى إبلاغ قسم مصر الجديدة بالحادث ونقلت الشكوى لمن اعرف من رجال الشرطة. وللحق فإنهم تحمسوا كثيرا لتحرى الأمر، وقيل لى إن أحد ضباط المباحث سيتولى القضية بنفسه. وظللت أتابع الرجل الذى كان مهذبا دائما ومطمئنا لى على ان خيوط الجريمة اتضحت بين أيديهم، وان أربعة من ذوى السوابق المشتبه فيهم تحت المراقبة وأن.. وأن. إلا أن الأمل ظل يخبو بمضى الوقت، وما عاد الضابط يرد على اتصالاتى الهاتفية، إلى أن يئست من متابعة الموضوع. فاستعوضت أمرى إلى الله، وأقنعت نفسى بأن البلد يمر بتحولات كبرى وأن الأمن المشغول بتلك التحولات ولا ينبغى أن نشتت اهتمامه ونستنفد طاقته فى مسائل صغيرة وتافهة مثل سيارتى الأوبل.
فى وقت لاحق اقتحم اللصوص مكتب ابنى فى ذات العمارة التى أسكنها، واستولوا على محتويات المكتب وخزانته، التى حملوها ولم يكلفوا أنفسهم بعناء فتحها والاستيلاء على ما فيها. حينذاك مررنا بنفس حلقات المسلسل. إبلاغ قسم الشرطة والمعاينة وأخذ البصمات والكلمات المهذبة والرسائل المطمئنة. إلى ان وصلنا إلى الهواتف التى لا ترد. وانتهينا إلى ان الشرطة والبلد كلها مشغولة بما هو أهم، فيئسنا ونسينا الموضوع.
الواقعة الثالثة تتلخص فى أن لى فيللا صغيرة بضاحية العجمى فى الإسكندرية، امتلكها منذ ربع قرن. ولأن منطقة «البيطاش» التى تتواجد بها الفيللا مثل بقية أحياء العجمى شهدت انقلابا عمرانيا خلال ربع القرن، فإننى تركت الفيللا إلى مصيف آخر، وعينت لها حارسا يرعاها. وقبل عدة أشهر دخل مجموعة من البلطجية على الحارس وهددوه واستولوا على ما بقى من أثاث فى الفيللا، ثم أبلغوه ان العقار ملك لهم. فخاف الرجل على حياته وعاد إلى بيته. وقبل أن يغادر حرر محضرا بما جرى فى قسم الدخيلة. وحين علمت بالأمر فإننى أجريت اتصالا مجددا مع من اعرف من رجال المباحث والداخلية، الذين اهتموا بالأمر وطمأنونى إلى ان الجناة سيتم ضبطهم فى أسرع وقت.. ومرت الأسابيع والأشهر ولم يحدث شىء.
فى الأسبوع الماضى ــ بعدها قصة سرقة الراقصة دينا ــ تطور الأمر على نحو آخر. إذ كنت قد عينت حارسا آخر للعقار، وما كاد الرجل يستقر فى المكان حتى اقتحم البلطجية الفيللا وأهانوه وهددوه بالقتل، فخاف صاحبنا وترك العقار. وإذا بالبلطجية يستولون على كل ما تبقى فيه، حيث نزعوا الأبواب والشبابيك والأدوات الصحية بما فى ذلك صنابير المياه، وحين أبلغت بالأمر فإننى أوفدت شخصا من طرفى لتحرى ما جرى. وعندما ذهب إلى الفيللا فإنه وجد شخصا غريبا فيها انهال عليه بالضرب حتى اغرق وجهه بالدماء. واقتاده إلى بلطجى آخر أخذ منه هاتفه النقال واتصل بى طالبا منى الحضور فى اليوم التالى ومعى الأوراق التى تثبت ملكيتى للعقار. إزاء ذلك لجأت إلى أحد قيادات الداخلية الذى اهتم بالأمر، وأصدر تعليمات سريعة أسفرت عن وصول مجموعة من رجال المباحث إلى مكان الفيللا. فلم يجدوا غير الشخص الذى أوفدته وقد تم تشويهه بسبب الضرب الذى تعرض له. فاقتادوه إلى مركز الشرطة حيث تم تحرير محضر بالواقعة، أما البلطجية فقد اختفوا من المشهد حين أحسوا بوجود الشرطة.
ظلت قصة الراقصة دينا ترن فى أذنى، وأنا أتابع مصير العقار الذى يبدو أن البلطجية كانوا يجهزونه للهدم. ولأن وضعه لا يزال معلقا، فى حين أن لدى وعودا لم أنسها مماثلة لتلك التى سمعتها من قبل، فإن السؤال الذى لم يغادرنى هو: ماذا لو كانت الفيللا مملوكة للراقصة الشهيرة؟
فى مقام سابق قلت إنه لا يكفى فى مصر أن يكون المرء مواطنا. وإنما لكى يأخذ حقه فينبغى أن يكون مواطنا من الدرجة الأولى (بشرطه). وصدقت الأيام ما قلت، حين عانيت من كونى مواطنا، ووجدت أن التميز والدرجة الأولى كانت من نصيب الراقصة الشهيرة ونظرائها. وليس ذلك و حده ما أحزننى لأننى اعتبرت ما أصابنى نموذجا لمعاناة لملايين المواطنين فى بر مصر، الذين لا يجيدون الرقص، ولا يملكون شيئا من مؤهلات التميز المطلوبة للارتقاء إلى الدرجة الأولى. وكان الظن أن الثورة سوف تنصفهم، إلا أن ذلك سيظل حلما مؤجلا فيما يبدو
نقلاً عن "الشروق"