توقيت القاهرة المحلي 09:44:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدولة الموازية فى مصر

  مصر اليوم -

الدولة الموازية فى مصر

فهمي هويدي

طول الوقت كنا ندافع عن حق الناس فى أن يعرفوا ما يجرى فى البلد، لكننا اكتشفنا أخيرا أننا كنا مبالغين فى الطموح وأن علينا أن نتواضع فى تطلعاتنا فى ظل النظام الجديد. إذ لا يليق أن نطالب بذلك الحق للناس إذا كانت الحكومة ذاتها لا تعرف. على الأقل فتلك هى الرسالة التى تلقيناها فى ثنايا إعلان استقالة حكومة الدكتور حازم الببلاوى، الذى لم يفاجئنا نحن فقط، ولكنه فاجأ الوزراء أنفسهم، وأغلب الظن أنه فاجأ رئيس الحكومة شخصيًا. صباح يوم الاثنين 24/2 الذى أعلن خبر الاستقالة بعدة بساعات، نشرت صحيفة «المصرى اليوم» على صدر صفحتها خبرا كان عنوانه: «الببلاوى: لا مشاورات حول التعديل الوزارى حتى الآن». وتحت العنوان ورد النص التالى: «شدد الدكتور حازم الببلاوى رئيس مجلس الوزراء على عدم إجرائه مشاورات حول التعديل الوزارى حتى الآن. وقال إن الحقيقة الوحيدة حاليا هى وجود وزارتين شاغرتين هما الإنتاج الحربى والتعاون الدولى. ومن المحتمل أن تكون هناك وزارة ثالثة شاغرة (يقصد وزارة الدفاع فى حالة ترشح المشير السيسى للرئاسة).» ذكرت الصحيفة فى التصريحات «الخاصة» التى أدلى بها أن الحكومة تعمل بشكل مستمر، وقد أقرت تعديلات القوانين التى سيكون لها مردود إيجابى على تدفق حركة الاستثمار قريبا. معلومات الدكتور الببلاوى كانت فى حدود ما شاع بيننا طول الأسابيع الماضية من أن الرجل باق فى منصبه حتى إجراء الانتخابات الرئاسية (فى شهر أبريل فى الأغلب)، من ثم فإن التعديل سيكون فى حدود شغل المناصب الشاغرة، وليس فى الحكومة كلها بما فيها رئيسها. إلا أن ما حدث معه كان مماثلا لما حدث فى دستور 2013، حين نصت خارطة الطريق على تعديل بعض مواده، ثم اكتشفنا أن الدستور كله تغير وجىء لنا بدستور جديد. كان الدكتور الببلاوى مطمئنا إلى بقائه فى منصبه، بدليل أن جدول أعماله للأسبوع الحالى تضمن رحلة كان مقررا أن يقوم بها اليوم (الأربعاء) إلى نيجيريا لحضور اجتماع السلم والأمن فى إفريقيا (وفد ترتيب الزيارة سافر قبل ساعات من إعلان الاستقالة). وبسبب تعارض رحلته المقررة مع موعد الاجتماع الأسبوعى لمجلس الوزراء الذى يقعد فى نفس التوقيت، فقد تم التبكير بعقد الاجتماع يوم الاثنين. وبدلا من ان يبدأ الاجتماع باستعراض جدول أعمال الجلسة، فإن الدكتور الببلاوى افتتحها بكلمة قال فيها إن الظروف الطارئة التى تمر بها البلاد باتت تفرض على الوزارة أن تقدم استقالتها بصورة جماعية. وهو ما فوجئ به الجميع، ليس فقط لأنه لم تكن هناك أية مقدمات توحى بذلك، وإنما أيضا لأنه لم يشرح للوزراء طبيعة تلك الظروف الطارئة. ولأن كلامه كان لإبلاغ الوزراء وليس لمناقشة الموضوع، فإن الاجتماع لم يستمر لأكثر من 15 دقيقة، عاد بعدها كل وزير لكى يجمع أوراقه من مكتبه. المفاجأة لم تكن من نصيب الوزراء وحدهم ولكنها كانت أيضا مفاجئة للمجتمع المعنى بالموضوع، حيث لم يتوقع أحد أن يطالع فى الصباح ما نشر عن التعديل الوزارى وبرنامج سفره إلى نيجيريا، ثم يتغير كل شىء عند الظهر، دون أى تفسير أو تبرير. منذ أذيع الخبر والناس يضربون أخماسا فى أسداس، ولا أحد فهم شيئا مما حدث، الأمر الذى فتح الباب واسعا للتأويلات. وفى حدود علمى فإن الأمر حسم مساء الأحد فى لقاء جمع بين المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية وبين الدكتور حازم الببلاوى. أما ما الذى تم فى ذلك اللقاء، فذلك لغز لا سبيل إلى تفسيره، حتى الآن على الأقل، من ثم فإننا لا نعرف على وجه الدقة ما إذا كان الدكتور الببلاوى قد قدم استقالته فعلا، أم أنه أقيل من منصبه، ولكل احتمال أنصاره الذين أكدوه. وإن كانت أغلب الآراء التى عبر عنها المشاركون فى البرامج التليفزيونية الحوارية التى جرت فى مساء اليوم ذاته قد مالت إلى فكرة الإقالة وليس الاستقالة. لم تتوقف المفاجآت عند ذلك الحد، وإنما لاحظنا أن اسم رئيس الوزراء الجديد قد ظهر بعد ساعات قليلة من إعلان استقالة الحكومة، حيث لم يعلن عن مشاورات أو ترشيحات، الأمر الذى يعنى أن الأمر كله كان مرتبا من قبل، وأن الدكتور الببلاوى وأعضاء حكومته كانوا ــ مثلنا ــ آخر من علم بالموضوع. ما جرى يسوغ لنا أن نسجل الملاحظات الثلاث التالية: • إن المشهد كله بدا غامضا وناعيا إلينا موت الشفافية، الأمر الذى يكرس انفصال المجتمع عن القرار السياسى. فلا نحن عرفنا من أصدر القرار ولا فهمنا طبيعة الظروف الطارئة التى اقتضته. ولا كيف تمت المشاورات، ولكن مبلغ علمنا أن ذلك كله أعد فى السر وأن الطبخة كانت جاهزة قبل بداية الأسبوع، الأمر الذى يثير أكثر من علامة استفهام حول الجهة التى تدير مصر فى الوقت الراهن، وعن صحة الادعاء بأن فى البلد دولة موازية إلى جانب الدولة العميقة واحتمال اندماجها مع بعضهما البعض. • إننا بصدد تغيير فى الوجوه وليس فى السياسات. ولئن تمت إقالة الحكومة أو استقالتها بعد انتشار الإضرابات العمالية وانفضاح أمر التعذيب والانتهاكات فى السجون المصرية، فلم تظهر فى الأفق بادرة توحى بأن ثمة سياسات جديدة فى الطريق، بدليل التأكيد على استمرار وزير الداخلية فى منصبه أو استبداله بأحد رجاله رغم كل الدماء التى سالت فى عهده والانتهاكات التى وقعت. • إن ما جرى يعد إعلانا مجددا عما وصفته من قبل بموت صحافة الخبر فى مصر، بعدما أصبحت الأخبار مقصورة على التسريبات الأمنية. ذلك أن الإعلام المصرى كله فوجئ بالاستقالة، بما فى ذلك الصحف التى تتباهى طول الوقت بانفراداتها وقدرتها على اختراق المستحيل، كما تقول. لقد عاد المجتمع المصرى إلى السياسة بعد ثورة 25 يناير، لكنها عودة من طرف واحد، لأننا اكتشفنا أن السياسة لم تعد إلى المجتمع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة الموازية فى مصر الدولة الموازية فى مصر



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon