توقيت القاهرة المحلي 09:49:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكرونا بما نسيناه

  مصر اليوم -

ذكرونا بما نسيناه

فهمي هويدي

أسدت إلينا إسرائيل أكثر من خدمة دون أن تدرى. من ناحية لأنها بعدوانها على غزة وقتلها لنفر من خيرة شبابها ذكرتنا بوجهها القبيح، بعدما غيبته وسائل الإعلام المصرية التى باتت مشغولة بالاحتراب العربى وبمعارك الإرهاب فى الداخل، حتى نسى كثيرون أن هناك عدوا يتربص بالجميع اسمه إسرائيل. من ناحية ثانية لأنها نبهتنا إلى أن المقاومة لم تلفظ أنفاسها بعد، ولا تزال رافضة للانبطاح. بل وبمقدورها أن ترد بما يزعج الإسرائيليين ويجعلهم يهرولون إلى الملاجئ. من ناحية ثالثة فإن إسرائيل بالجريمة التى ارتكبتها كشفت لنا عن بعض التشوهات التى أحدثها إعلام الكراهية فى بعض شرائح المصريين، حتى وجدنا بعضا من النخب ــ أحدهم وزير خارجية أسبق ــ سارعوا إلى إدانة حركة حماس واتهموها بالسعى إلى استفزاز إسرائيل انسياقا وراء حملة الشيطنة التى تشنها وسائل الإعلام المصرية، رغم أن شرف الرد على الإسرائيليين كان من نصيب حركة الجهاد الإسلامى وليس حماس. حقيقة القصة أن إسرائيل انتهزت فرصة انصراف العالم العربى عنها وانشغاله بالمعارك الصغيرة بين «الإخوة الأعداء» ولم تكتف بما ترتكبه من جرائم يومية على الأرض، من خلال التوسع فى الاستيطان والاستمرار فى التهويد الذى يستهدف استئصال الوجود الفلسطينى. ولم تشبع نهمها الجهود التى تبذل على مهل لإماتة القضية وإغلاق ملفاتها من خلال فرقعات التسوية السلمية وأوهام الدولتين التى تطلق فى الفضاء الفلسطينى بين الحين والآخر. حتى التهدئة التى تم التوصل إليها بوساطة مصرية منذ سنتين وبمقتضاها جمدت المقاومة أنشطتها مؤقتا من غزة لم ترض غرورها وأحلامها الوحشية. ذلك كله لم تقنع به إسرائيل، فعمدت أخيرا إلى قتل نحو عشرة من الفلسطينيين فى الضفة الغربية والقطاع، كان من بينهم ثلاثة فى غزة من عناصر حركة الجهاد الإسلامى التى كانت طرفا فى اتفاق التهدئة. ولأن هذه لم تكن المرة الأولى، ولأن إسرائيل انتهكت الاتفاق 1400 مرة منذ توقيعه قبل سنتين، فإن حركة الجهاد الإسلامى التى فاض بها الكيل قررت أن ترد على قتل كوادرها خلافا لما اتفق عليه. حينئذ قررت قيادة سرايا القدس الجناح العسكرى للحركة أن ترد فأطلقت عناصرها 90 صاروخا استهدفت الداخل الإسرائيلى، وهو ما ردت عليه إسرائيل بشن غاراتها مستهدفة مواقع الجهاد الإسلامى فى بيت لاهيا ورفح. لم يكن التصعيد عسكريا فحسب، ولكنه كان سياسيا أيضا، لأن وزير الخارجية الإسرائيلى دعا إلى احتلال القطاع مرة أخرى، كما تنافس القادة الإسرائيليون فى المطالبة بردع المقاومة فى القطاع واجتثاثها بمختلف السبل. حركة حماس حملت إسرائيل المسئولية عما جرى، باعتبار أنها من بادر بقتل الفلسطينيين، وأعلنت أنها فى هذه الحالة لا تستطيع أن تمنع أى فصيل فلسطينى من الرد على أى عدوان يقع عليه من جانب الإسرائيليين رغم سريان اتفاق التهدئة. المشهد فى القطاع يثير سؤالين سمعتهما من أكثر من شخص، وعبرت عنها بعض الكتابات الصحفية. وهناك ملاحظة سبقت الإشارة إليها تعلقت بادعاء البعض تعمد حماس والجهاد الإسلامى استفزاز إسرائيل «لاستعطاف» مصر ودفعها إلى التدخل. وقد اعتبرت أنها مما ينبغى تجاهله، لأنه من العيب أن تذكر أصلا، ومن العيب يرد عليها. السؤالان اللذان أعنيهما هما: أين المقاومة فى أداء حماس أو حركة الجهاد أو غيرهما من الفصائل؟ ثم ما جدوى تلك الصواريخ التى تطلق فى الفضاء لتسقط فى أرض فضاء؟ ثمة كلام كثير فى الرد على السؤالين يتطلب حيزا أكبر من المتاح، لكنى سأختصره فيما يلى: بخصوص المقاومة فحدها الأقصى أن تنتصر، وحدها الأدنى ألا تنكسر، والانتصار مفهوم. أما المستوى الآخر المقاومة فيتمثل فى رفض التسليم بما يريده العدو مع الإعداد لمواجهته وتحدِّيه إذا لزم الأمر. وذلك هو الحاصل فى غزة بالضبط. وينبغى ألا ينسى أن المقاومة فى القطاع نجحت فى صد الاجتياحات الإسرائيلية وأفشلتها طوال الوقت. بدليل أن غزة لا تزال صامدة حتى الآن. علما بأن القطاع يمارس ذلك الصمود والتحدى فى ظل حصار شديد وبيئة عربية غير مواتية، أقرب إلى مصالحة إسرائيل منها إلى مقاومة عدوانها. علما بأن المقاومة لا تعانى فقط من انقسام الصف الفلسطينى، لكنها تعانى أيضا من أصداء الصراعات العربية. آية ذلك مثلا أنه فى الوقت الذى تعرضت فيه غزة للغارات الإسرائيلية، فإن دولة الإمارات العربية علقت العمل بمشروع مدينة الأسرى المحررين الذى كان مقررا تنفيذه وسط القطاع. وأغلب الظن أنها أرادت بذلك أن تعبر عن التضامن مع الموقف المصرى الأخير المشتبك مع حركة حماس. والعهدة فى ذلك وزير الأشغال فى حكومة حماس السيد يوسف الفريز. أما سؤال الجدوى فردى عليه أن صواريخ المقاومة فضلا عن رسالة التحدى التى تبعث بها وتؤكد بها رفضها الاستسلام والهزيمة، فإنها تسبب إزعاجا لإسرائيل لا يمكن تجاهله. يكفى أنها تضطر آلاف الإسرائيليين إلى الهرولة إلى المخابئ. كما أنها تثبت فشل قادة الدولة العبرية فى إسكات صوت المقاومة وإشاعة الطمأنينة بين مواطنيها. فى الوقت ذاته فإنها تكبد الإسرائيليين خسائر مالية كبيرة. لأنها اضطرتها إلى الاستعانة بنظام القبة الحديدية الذى يحاول اعتراض الصواريخ القادمة من الجانب الفلسطينى، وهذه عملية تتكلف ملايين الدولارات. وفى كل الأحوال ينبغى ألا ينسى أن المقاومة الإسلامية فى غزة أثبتت أن لديها صواريخ تحمل اسم «فجر خمسة» قادرة على الوصول إلى تل أبيب، وقد أطلقت اثنان منها على ضواحى المدينة ردا على العدوان الإسرائيلى الذى وقع فى شهر نوفمبر عام 2012. وهو ما أفزع الإسرائيليين. ودعاهم إلى الإسراع بوقف القتال حينذاك. أخيرا، إذا كنت قد لاحظت أننى لم أشر إلى رد الفعل العربى على الغارات الإسرائيلية، فأرجو ألا تظن أننى سهوت عن ذلك، لأننى وجدته من الضعف بحيث لا يستحق أن يذكر. من ثم فلك أن تعتبر أن عدم ذكرى له كان خجلا منه وليس سهوا عنه. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكرونا بما نسيناه ذكرونا بما نسيناه



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon