توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رائحة السيناريو الجزائرى

  مصر اليوم -

رائحة السيناريو الجزائرى

فهمي هويدي

يصفعنا خبر الصباح إذ نعى إلينا أمس مقتل ستة من الجنود المصريين فى هجوم إرهابى. وهى جريمة من النوع الذى يبعث إلينا رسالة ذكرتنا بما تمنينا أن ننساه. سواء إرهاب التسعينيات الذى استهدف رموز السلطة أو عشرية الجزائر السوداء التى بدت صراعا بين الجماعات المسلحة من جانب والجيش والشرطة من جانب آخر، وكل منهما أتعس من الآخر. إلا أننى أشم فى حادث «مسطرد» الذى وقع فجر أمس رائحة السيناريو الجزائرى الذى كنت قد استبعدته من قبل. واعتمدت فى ذلك على التباين بين البيئتين المصرية والجزائرية فى البيئة السياسية والطبيعة السكانية والجغرافية، الآن أقر بأننى أحسنت الظن وأخطأت فى التقدير، رغم أننى مازلت آمل فى أن يفعل التباين فعله وألا تتطابق الحالتان المصرية والجزائرية فى النتائج، مذكرا بأن السيناريو الجزائرى استمر عشر سنوات وأدى إلى سقوط نحو مائتى ألف قتيل. صحيح أن البدايات لا تخلو من تشابه بين البلدين. خصوصا فى الدور الذى لعبه الجيش بكل منهما فى إجهاض المسار الديمقراطى، مع الاختلاف فى حجم التأييد الشعبى الذى كان فى مصر أوضح منه فى الجزائر. إلا أننى أتمنى أن تختلف النهايات وأن يتعلم القائمون على الأمر فى مصر دروس التجربة الجزائرية، التى أهمها أن الحل العسكرى والأمنى لا يكفى فى حسم الصراع السياسى. وهو ما فطن إليه الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة الذى تولى السلطة فى عام ١٩٩٩ وتبنى سياسة «الوئام المدنى» التى كانت مدخلا لتحقيق السلم الأهلى، وبه انتهت المرحلة التى يصفها الجزائريون بالعشرية السوداء التى أغرقت البلاد فى بحر من الدماء وتخللتها مذابح وجرائم بشعة يشيب لها الولدان. أحد الفروق المهمة بين التجربتين الجزائرية والمصرية أن طرفى الصراع فى الجزائر كانا واضحين إلى حد كبير. فالمواجهة كانت معلنة بين الجيش القابض على السلطة وبين جبهة الإنقاذ التى لم يكن قد مضى على تأسيسها أكثر من سنتين. وبالتالى كان لها من القواعد المشتتة أكثر مما لديها من الكوادر المنضبطة. أما فى التجربة المصرية فالإخوان يتصدرون مقدمة الطرف الآخر ومعهم «التحالف» الذى يضم جماعات أخرى. وفى حين تبنت جبهة الإنقاذ سياسة المواجهة المسلحة، فإن جماعة الإخوان ومعها التحالف اختاروا فى مواقفهم المعلنة طريق المعارضة السلمية التى تمثلت فى الاعتصامات والمظاهرات. ورغم تعدد حوادث العنف التى شهدتها مصر خلال الأشهر الثمانية الماضية، إلا أنه لم يثبت حتى الآن أن التحالف ومعه الإخوان كانوا وراءها. حتى أكبر حدث وقع حتى الآن وتمثل فى تفجير مقر مديرية أمن القاهرة أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسئوليتها عنه، رغم أن الأصابع أشارت إلى الإخوان ورغم أنه كان ذريعة لاعتبارها جماعة إرهابية من جانب مجلس الوزراء، وهو القرار الذى اتسم بالتعجل وسوء التقدير، واعتمد على اجتهادات سياسية وليس على معلومات أمنية موثقة. أثار الانتباه فى هذا الصدد أن المتحدث العسكرى المصرى سارع بعد عشر دقائق من إعلان خبر الجنود الستة إلى اتهام الإخوان بالمسئولية عن الجريمة. وهوما فعله صاحبنا أيضا بعد دقائق معدودة من إطلاق الرصاص على حافلة عسكرية قبل يومين وقتل اثنين من ركابها. ورغم الإعلان آنذاك عن أن اللذين أطلقا الرصاص كانا اثنين من الملثمين استقلا دراجة نارية فإن المتحدث العسكرى سارع أيضا إلى توجيه ذات الاتهام، قبل أى تحقيق ودون أى تحريات. وكأنه وحده الذى استطاع أن يتعرف على الملثمين. ولأن المتحدث العسكرى يمثل مؤسسة محترمة لها وزنها فى المجتمع، فقد كان حريا به أن يكون أكثر حذرا واتزانا، ليس فقط لكى يعزز صدقية البيانات التى يدلى بها واحترام الجهات التى يمثلها، ولكن أيضا لتمكين جهات التحرى والتحقيق من أن تؤدى عملها بجدية، بحيث لا تمضى وراء التوجيه السياسى بما يؤدى إلى إفلات الجناة الحقيقيين من العقاب سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم. فى مواجهة أحداث بتلك الجسامة والبشاعة، نحن أحوج ما نكون إلى التحلى بالمسئولية والوعى، لأن الانسياق وراء الانفعال لا يسمح لنا بتحرى الحقيقة، فضلا عن أنه يصادر تفكيرنا فى كيفية التعامل مع مؤشرات العنف المتنامية. فى هذا الصدد ينبغى أن ينتبه الجميع إلى أن ما حدث فى مسطرد ليس منفصلا عن مسلسل الأزمة التى تواجهها مصر منذ الثالث من يوليو الماضى التى سالت فى ظلها دماء غزيرة. وما لم يتم التعامل مع جذور الأزمة فإن أصداءها وتداعياتها سوف تستمر، ولن يتوقف مسلسل الفواجع والصدمات. إننا لا نريد أن يطول انتظارنا ولا نريد أن نرى مزيدا من دماء الأبرياء تراق ومزيدا من الخراب يحل، لكى ندرك أننا بحاجة إلى تحرك جاد لتحقيق «الوئام المدنى»، الذى دعت إليه «خارطة الطريق» قبل ثمانية أشهر، لم نشهد تحركا جادا يحققه. إذ رجحت كفة الحريصين على الخلاص من الإخوان ومن لف لفهم. وفى غمرة الانفعال ونشوة الحماس نسى كثيرون الانتصار للوطن. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رائحة السيناريو الجزائرى رائحة السيناريو الجزائرى



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon