توقيت القاهرة المحلي 09:34:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رائحة السيناريو الجزائرى

  مصر اليوم -

رائحة السيناريو الجزائرى

فهمي هويدي

يصفعنا خبر الصباح إذ نعى إلينا أمس مقتل ستة من الجنود المصريين فى هجوم إرهابى. وهى جريمة من النوع الذى يبعث إلينا رسالة ذكرتنا بما تمنينا أن ننساه. سواء إرهاب التسعينيات الذى استهدف رموز السلطة أو عشرية الجزائر السوداء التى بدت صراعا بين الجماعات المسلحة من جانب والجيش والشرطة من جانب آخر، وكل منهما أتعس من الآخر. إلا أننى أشم فى حادث «مسطرد» الذى وقع فجر أمس رائحة السيناريو الجزائرى الذى كنت قد استبعدته من قبل. واعتمدت فى ذلك على التباين بين البيئتين المصرية والجزائرية فى البيئة السياسية والطبيعة السكانية والجغرافية، الآن أقر بأننى أحسنت الظن وأخطأت فى التقدير، رغم أننى مازلت آمل فى أن يفعل التباين فعله وألا تتطابق الحالتان المصرية والجزائرية فى النتائج، مذكرا بأن السيناريو الجزائرى استمر عشر سنوات وأدى إلى سقوط نحو مائتى ألف قتيل. صحيح أن البدايات لا تخلو من تشابه بين البلدين. خصوصا فى الدور الذى لعبه الجيش بكل منهما فى إجهاض المسار الديمقراطى، مع الاختلاف فى حجم التأييد الشعبى الذى كان فى مصر أوضح منه فى الجزائر. إلا أننى أتمنى أن تختلف النهايات وأن يتعلم القائمون على الأمر فى مصر دروس التجربة الجزائرية، التى أهمها أن الحل العسكرى والأمنى لا يكفى فى حسم الصراع السياسى. وهو ما فطن إليه الرئيس الجزائرى عبدالعزيز بوتفليقة الذى تولى السلطة فى عام ١٩٩٩ وتبنى سياسة «الوئام المدنى» التى كانت مدخلا لتحقيق السلم الأهلى، وبه انتهت المرحلة التى يصفها الجزائريون بالعشرية السوداء التى أغرقت البلاد فى بحر من الدماء وتخللتها مذابح وجرائم بشعة يشيب لها الولدان. أحد الفروق المهمة بين التجربتين الجزائرية والمصرية أن طرفى الصراع فى الجزائر كانا واضحين إلى حد كبير. فالمواجهة كانت معلنة بين الجيش القابض على السلطة وبين جبهة الإنقاذ التى لم يكن قد مضى على تأسيسها أكثر من سنتين. وبالتالى كان لها من القواعد المشتتة أكثر مما لديها من الكوادر المنضبطة. أما فى التجربة المصرية فالإخوان يتصدرون مقدمة الطرف الآخر ومعهم «التحالف» الذى يضم جماعات أخرى. وفى حين تبنت جبهة الإنقاذ سياسة المواجهة المسلحة، فإن جماعة الإخوان ومعها التحالف اختاروا فى مواقفهم المعلنة طريق المعارضة السلمية التى تمثلت فى الاعتصامات والمظاهرات. ورغم تعدد حوادث العنف التى شهدتها مصر خلال الأشهر الثمانية الماضية، إلا أنه لم يثبت حتى الآن أن التحالف ومعه الإخوان كانوا وراءها. حتى أكبر حدث وقع حتى الآن وتمثل فى تفجير مقر مديرية أمن القاهرة أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس مسئوليتها عنه، رغم أن الأصابع أشارت إلى الإخوان ورغم أنه كان ذريعة لاعتبارها جماعة إرهابية من جانب مجلس الوزراء، وهو القرار الذى اتسم بالتعجل وسوء التقدير، واعتمد على اجتهادات سياسية وليس على معلومات أمنية موثقة. أثار الانتباه فى هذا الصدد أن المتحدث العسكرى المصرى سارع بعد عشر دقائق من إعلان خبر الجنود الستة إلى اتهام الإخوان بالمسئولية عن الجريمة. وهوما فعله صاحبنا أيضا بعد دقائق معدودة من إطلاق الرصاص على حافلة عسكرية قبل يومين وقتل اثنين من ركابها. ورغم الإعلان آنذاك عن أن اللذين أطلقا الرصاص كانا اثنين من الملثمين استقلا دراجة نارية فإن المتحدث العسكرى سارع أيضا إلى توجيه ذات الاتهام، قبل أى تحقيق ودون أى تحريات. وكأنه وحده الذى استطاع أن يتعرف على الملثمين. ولأن المتحدث العسكرى يمثل مؤسسة محترمة لها وزنها فى المجتمع، فقد كان حريا به أن يكون أكثر حذرا واتزانا، ليس فقط لكى يعزز صدقية البيانات التى يدلى بها واحترام الجهات التى يمثلها، ولكن أيضا لتمكين جهات التحرى والتحقيق من أن تؤدى عملها بجدية، بحيث لا تمضى وراء التوجيه السياسى بما يؤدى إلى إفلات الجناة الحقيقيين من العقاب سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم. فى مواجهة أحداث بتلك الجسامة والبشاعة، نحن أحوج ما نكون إلى التحلى بالمسئولية والوعى، لأن الانسياق وراء الانفعال لا يسمح لنا بتحرى الحقيقة، فضلا عن أنه يصادر تفكيرنا فى كيفية التعامل مع مؤشرات العنف المتنامية. فى هذا الصدد ينبغى أن ينتبه الجميع إلى أن ما حدث فى مسطرد ليس منفصلا عن مسلسل الأزمة التى تواجهها مصر منذ الثالث من يوليو الماضى التى سالت فى ظلها دماء غزيرة. وما لم يتم التعامل مع جذور الأزمة فإن أصداءها وتداعياتها سوف تستمر، ولن يتوقف مسلسل الفواجع والصدمات. إننا لا نريد أن يطول انتظارنا ولا نريد أن نرى مزيدا من دماء الأبرياء تراق ومزيدا من الخراب يحل، لكى ندرك أننا بحاجة إلى تحرك جاد لتحقيق «الوئام المدنى»، الذى دعت إليه «خارطة الطريق» قبل ثمانية أشهر، لم نشهد تحركا جادا يحققه. إذ رجحت كفة الحريصين على الخلاص من الإخوان ومن لف لفهم. وفى غمرة الانفعال ونشوة الحماس نسى كثيرون الانتصار للوطن. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رائحة السيناريو الجزائرى رائحة السيناريو الجزائرى



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon