توقيت القاهرة المحلي 09:17:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مذبحتان للقضاة والقضاء

  مصر اليوم -

مذبحتان للقضاة والقضاء

فهمي هويدي

مسلسل اللامعقول مستمر فى مصر، إذ فى حين لم نُفِق من المذبحة الجارية للقضاة، حتى فوجئنا بمذبحة أخرى ضحيتها القضاء ذاته، الأمر الذى يثير شكوكنا فى الأهداف الحقيقية لذلك الذى يجرى، ذلك إننى ظللت طوال الأسابيع الأخيرة أتابع بدهشة بالغة عملية التنكيل برموز القضاء وبقاماتهم الرفيعة، وهو ما تمثل فى تقديم بلاغات كيدية ضدهم، مرة بإهانة القضاء(!)، وتارة بالاشتغال بالسياسة، وتارة أخرى بالانخراط فى تنظيم سرى. كما تمثل فى تسريب أخبار إلى الصحف تتحدث عن ضبطهم وإحضارهم إلى جانب إحالة بعضهم إلى الصلاحية للنظر فى تأديبهم، إلى غير ذلك من حملات التشوية المتعمد التى لم تبق لأولئك الرموز شيئا من الكرامة، وكانت النتيجة أنه تم استهداف اثنين من وزراء العدل السابقين ونائب سابق لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، ورئيس جهاز المحاسبات، وبعض نواب رئيس محكمة النقض ورؤساء محاكم الاستئناف. وكان المستشار زكريا عبدالعزيز رئيس استئناف القاهرة والرئيس السابق لنادى القضاء أحدث ضحية لذلك الكيد الذى نشرت الصحف أنه أحيل بسببه إلى الصلاحية، وقد سبقه المستشار الجليل محمود الخضيرى المسجون حاليا على ذمة قضية غريبة اتهم فيها بالاشتراك فى التعذيب. كان أمرا مستغربا ومشينا أن يستهدف التنكيل أولئك الرموز الذين قادوا حملة الدفاع عن استقلال القضاء، ووقفوا ضد تغول السلطة واستبدادها طوال الثلاثين سنة الأخيرة على الأقل. وبدا مدهشا ومحيرا أن يحدث ذلك فى حين يرأس الدولة فى الوقت الحاضر. من كان قاضيا ومستشارا يعرف قدر هؤلاء ومكانتهم. أما المفارقة المريبة حقا فقد تمثلت فى أن بعض قضاة التحقيق الذين أحيلت إليهم البلاغات المقدمة ضد أولئك الكبار، سبق أن وجهت إليهم أصابع الاتهام فى تزوير الانتخابات، ولم يبرأوا مما نسب إليهم بعد. لم يقف الأمر عند تلك الحدود، إنما امتد التنكيل بحيث شمل نحو ١٥٠ قاضيا ممن أيدوا الثورة. فأحيلوا بدورهم إلى الصلاحية، كما أسقطت عضويتهم فى نادى القضاة بالمخالفة للائحة النظام السياسى، كى لا ينافسوا غيرهم فى انتخابات مجلس إدارة النادى. الخلاصة أن ساحة القضاء شهدت فى الآونة الأخيرة حملة واسعة النطاق لتصفية الحسابات، تعددت أسبابها ومشكوك فى براءتها. ومن النماذج الصارخة على ذلك أن قاضيا فى إحدى محافظات الوجه القبلى فوجئ بإنه أصبح متهما فى قضية اخترعتها التقارير الأمنية، واعتبرتها تنظيما مواليا للإخوان باسم قضاة من أجل مصر، ولأن الرجل كان بعيدا عن القضاة الذين أيدوا الثورة، فقد أجرى اتصالات عديدة للتعرف على أسباب اتهامه، وحين وقع على من أخبره بالحقيقة آنذاك، قيل له إنه أُقحم فى القضية لسببين، أولهما أنه نظرت أمامه قضية كان أحد مساعدى وزير العدل مدعيا فيها، وقد اتصل به مساعد الوزير لكى يضع هذه الخلفية فى اعتباره، ولكن صاحبنا وجد أنه لا حق له فلم يحكم لصالحه. وهو موقف حسب عليه وسجل ضده، السبب الثانى أن القاضى المذكور قدر له أن يرأس لجنة انتخابية أثناء حكم الإخوان، وتصادف آنذاك أن الدكتور محمد بديع مرشد الإخوان كان من المصوتين فى تلك اللجنة، وحين دخل الأخير إلى القاعة فإن صاحبنا رحب به وصافحه. واعتبرت تلك نقطة أخرى حسبت عليه وسجلت ضده، وبسبب ارتكابه هاتين «الجريمتين» فإن الرجل اعتبر مغضوبا عليه، وتم تأديبه بإدراجه ضمن المتهمين فى قضية قضاة من أجل مصر!. كانت تلك بعض شواهد المذبحة الدائرة فى محيط القضاة، وفى حين اعتبرتها كارثة تسىء إليهم، وتشوه صورتهم فإننى لم أتوقع حدوث الأفدح حين بدا أن القضاء ذاته لم يعد فى نظر كثيرين صرح العدالة وملاذ المظلومين، الأمر الذى نال من هيبته وهز الثقة فيه، فقد فوجئنا خلال العام الأخير بأن الذين اتهموا بقتل الثوار وتعذيبهم تمت تبرئتهم فى نحو أربعين قضية رفعت ضدهم. وفى الوقت ذاته انهالت الأحكام بالغة القسوة ضد الشباب والفتيات والتى وصلت إلى السجن ١٥ و١٧ سنة لمجرد اشتراكهم فى التظاهرات الطلابية، حتى فجعنا فى الحكم الأخير الذى صدر يوم الاثنين ٣/٢٤ بإعدام ٥٢٩ شخصا من قاضى محكمة جنايات المنيا، فى قضية اتهم فيها ذلك العدد الضخم بقتل ضابط شرطة والشروع فى قتل اثنين، ولم يكن الحكم وحده هو الفضيجة التى دوت أصداؤها فى أنحاء العالم، وإنما كانت هناك فضيحة أخرى تمثلت فى أنه لم تكن هناك محاكمة أصلا، حيث لم تتبع فيها أى من الاجراءات المقررة، من اثبات حضور المتهمين وسؤالهم، وصولا إلى سماع مرافعات الشهود والدفاع. إذ استغرقت الجلسة الأولى ٢٠ دقيقة فقط، ثم تم النطق بالحكم فى الثانية، وبدا أن الطريقة التى تمت بها العملية بمثابة إهدار للقانون وطعنة تهز الثقة فى العدالة، وتكاد تنهى عصر القضاء فى مصر، عبرتّ عن ذلك تعليقات عدة فاعتبرتها منظمة العفو الدولية حدثا غير مسبوق فى التاريخ المعاصر. وكررت هيومان رايتس ووتش الملاحظة ذاتها. وكتب الزميل الصحفى المعروف عبدالبارى عطوان قائلا: إن الحكم أطلق رصاصة الرحمة فى رأس القضاء، وإن مصر أصبحت مقبلة على عهد المشانق، وإنه بمثابة دعوة صريحة للعنف والحرب الأهلية. أثناء الثورة فى عام ٢٠١١، ظهر بين القضاة اتجاهان، الأول اعتبر ثوار ميدان التحرير «رعاع»، على حد تعبير أحدهم على شاشة التليفزيون، أما الثانى فقد انحاز إلى الثورة، وانضم إلى الجموع المحتشدة فى الميدان. لكن الأمور تغيرت بعد ٣٠ يونيو، ورجحت كفة الأولين فى ظل نظام ٣ يوليو، وهى خلفية استحضرتها فى الآونة الأخيرة. الأمر الذى استدعى عندى السؤال التالى: هل نحن بصدد تصفية حسابات مع القضاة الوطنيين فقط، أم إنها أيضا تصفية حسابات مع «الرعاع» والذين قاموا بثورة ٢٥ يناير؟. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مذبحتان للقضاة والقضاء مذبحتان للقضاة والقضاء



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon