فهمي هويدي
بأعلى صوت وبأقوى الكلمات ينبغى أن نستهجن العنف المجنون الذى يستهدف أرواح الأبرياء فى مصر، بصرف النظر عن هوياتهم ومقاماتهم، ثم ننصرف بعد ذلك مباشرة إلى محاولة الإجابة عن السؤالين: من؟ ولماذا؟ ــ أدرى أن بعضنا لديه إجابات جاهزة وأحكام مسبقة لا تنتظر أى بحث أو تحرِّ. ولا يشغلها تقصى الحقيقة بقدر ما يهمها شىء واحد هو تصفية الحسابات السياسية. والالتزام بتوجيهات أجهزة التوجيه المعنوى بقصر نظرها وضيق أفقها.
خلال الأشهر الثمانية التى خلت صرنا نحفظ مضمون البيانات التى تصدر عقب كل حادث عنف. فالشرطة عندنا كاملة الأوصاف وطاهرة اليد، فلا هى تعذب أحدا ولا تلفق تهمة ولا تطلق خرطوشا ولا تطلق قنبلة غاز خانق أو مسموم. وهى دائما مجنى عليها وضحية إرهاب الآخرين، وإذا ما اضطرت لأن تدافع عن نفسها فخراطيم المياه هى آخر الدواء الذى تلجأ إليه. والآخرون هم الجناة والمفترون. وهم الإخوان الإرهابيون بالدرجة الأولى. وما يفعلونه مخطط يستهدف إسقاط الدولة وضعه التنظيم الدولى وممول من قطر وتركيا بالتنسيق والتعاون مع أجهزة مخابرات الدول العظمى التى لا تريد لمصر أن تنهض.
هذه الأسطوانة ما برحت تديرها الأبواق المعروفة التى باتت تتنافس فى التحريض وتسميم الأجواء. وبعدها انتشر خبر التفجيرات التى حدثت فى محيط جامعة القاهرة، ظهر أحدهم على شاشة التليفزيون وقد تقمص شخصية الغيور الغاضب، ودعا من جانبه إلى حسم الأمر بإعدام قادة الإخوان، هكذا قبل أى تحقيق ودون تضييع الوقت فى المحاكمة (!) ــ لم أستغرب ذلك لأن المحاكمات فى زماننا صارت تتم على شاشات التليفزيون ومزايدات الصحف بأكثر مما تجرى فى قاعات المحاكم. بعدما أصبحت تحقيقات النيابة ودوائر المحاكم تعقد فى السجون ومقار الاحتجاز. لم يعد مفاجئا ولا مستغربا ان تجرى بدورها فى ستوديوهات التليفزيون.
المدهش فى الأمر أن الأبواق الإعلامية ظلت تتمسك بالإجابات النمطية حتى رغم صدور الإعلانات التى تنفيها وتكذبها. فحين سارع المتحدث باسم القوات المسلحة إلى اتهام الإخوان بالمسئولية عن قتل الجنود الستة بعد عشر دقائق من وقوع الجريمة، فإنه لم يكترث ولم يعتذر عن خطئه حين أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس أنها من قام بالعملية. وحين تكرر نفس الاتهام بعد تفجيرات جامعة القاهرة، فإن الخطاب لم يتغير حين أصدرت بعد الظهر بيانا لمجموعة باسم «أجناد مصر» ذكرت مرة واحدة من قبل أعلنت أنها من قام بالتفجير.
أرجو ألا يلتبس الأمر على أحد. فالمطلوب هو التعامل بمنتهى الحزم مع الجناة الحقيقيين. لمعاقبتهم وتجفيف منابع الإرهاب ومظانه. وأضع خطا تحت كلمة «الحقيقيين»، لأن التسرع فى إلصاق الاتهام بمن نكره قبل أى تحقيق، من شأنه ليس فقط ان يفلت الجناة الأصليين من العقاب، وإنما من شأنه أيضا أن يستمر هؤلاء فى ارتكاب جرائمهم وهم مطمئنون إلى أن أصابع الاتهام السياسى ستشير إلى غيرهم.
بعدما ذاع خبر تفجيرات جامعة القاهرة أصدر كل من الإخوان وتحالف الشرعية بيانين يدينان الجريمة ويستنكرانها. ومما ذكره بيان الإخوان أن الجماعة: «تطالب الجميع بأن يتقوا الله فى مصر وأهلها جميعا، مدنيين كانوا أو شرطة أو عسكريين (من القوات المسلحة)، فدماء الجميع حرام، والخلافات السياسية ينبغى ألا تكون ذريعة للقتل وسفك الدماء المعصومة». وهى ذات الفكرة التى عبر عنها التحالف المذكور. وقد استغربت تجاهل وسائل الإعلام للبيانين، حيث أزعم بأنها ينبغى أن تؤخذ على محمل الجد، بحيث تخضع للدراسة والتحقيق، وإذا ثبت عدم صحتها فينبغى أن يحاسب مصدروها وان يوجه إليهم الاتهام بتضليل العدالة. أما إذا تبين أنها صحيحة فيتعين توجيه البحث فى الاتجاه الذى يوصل إلى الجناة الحقيقيين.
بالمناسبة فإننى لا أعرف ما إذا كانت الأجهزة الأمنية على علم أم لا بتلك المجموعة الجديدة التى تحمل اسم «أجناد مصر»، وأرجو ألا تكون قد فوجئت ــ مثلنا ــ بوجودها. وإذا صح ذلك فهو يعنى أن ثمة قصورا فى الاستطلاع ينبغى تداركه.
هذا الغموض الذى يحيط بالفاعلين يشمل أهدافهم أيضا. وإذا عرفنا من هم فربما كان بوسعنا ان نفهم بالضبط ماذا يريدون. هل هم مخربون يريدون إثارة الفوضى؟ أم أنهم طلاب فوضويون يريدون تعطيل الدراسة؟ أم أنهم من الجماعات التكفيرية التى تعلن الحرب على السلطة والمجتمع؟ أم أنهم أرادوا الثأر للضحايا الذين سقطوا فى الاعتصامات التى جرى فضها؟
لا خلاف على أن ما حدث جريمة وأن الفاعلين مجرمون، لكننا نريد ان نتعامل مع المشهد بما يستحقه من جدية، بحيث ننطلق من المعرفة الواثقة ولا نحتكم إلى التخمينات والأهواء. وأكرر أننا نريد أن ننتصر للوطن وسلامته، لا أن نصطف إلى جانب قبيلة دون أخرى، وأذكر بأن الوطن ملك للجميع وليس لقبيلة دون أخرى.