توقيت القاهرة المحلي 12:02:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الجيش والسياسة

  مصر اليوم -

الجيش والسياسة

فهمي هويدي

عاد إلى الواجهة فى مصر ملف علاقة الجيش بالسياسة، متزامنا مع ترشح المشير عبدالفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية. فقرأنا أن مصر باتت معرضة للانهيار وأن الجيش صار الضامن الوحيد للحيلولة دون ذلك، كما قرأنا تنظيرا لدور الجيوش وحملها بالمسئولية عن التقدم فى المجتمعات الإنسانية. وذهب البعض إلى أبعد حين رهنوا مستقبل مصر ودورها ووجودها وعلَّقوه على تولى المشير السيسى شخصيا لرئاسة الجمهورية وإدارة دفة البلاد. إلى غير ذلك من الأفكار التى يخلو بعضها من شطط فى حين يفتح البعض الآخر الأبواب للالتباس وسوء الفهم. لذلك أزعم بأنها بحاجة إلى مراجعة وضبط يميز بين المقبول منها والمرفوض أو المرذول. تحتاج المراجعة إلى مقدمة وتمهيد، لأننا اعتدنا ان نعتبر الكلام عن الجيش اقترابا من المحظور وخوضا فى حقل من الألغام والأشواك. ذلك ان الملف له حساسية خاصة، حيث يعتبره البعض من المقدسات التى ينبغى أن تحاط بأعلى درجات التبجيل والتوقير. وفى مواجهة المتعصبين للجيش فهناك المخاصمون لدوره الذين تستفزهم كلمة العسكر، ويعتبرونها رمزا لشرور كثيرة. إضافة إلى أن مجتمعاتنا التى غابت عنها الثقافة الديمقراطية طويلا باتت ترى تعارضا بين الاختلاف والاحترام، رغم ان كثيرين يرددون عبارة ان الاختلاف لا يفسد للود قضية. لأن العكس هو الصحيح على طول الخط فى الواقع العملى. حيث بات الاختلاف مصدرا لإفساد الود وإذكاء الخصومة، وفى ظروفنا الراهنة خلال السنوات الأخيرة عديدا من الشواهد الدالة على ذلك. إذ حين اختلف الناس مع بعضهم البعض فى الشأن السياسى، فإن ذلك لم يؤد فقط إلى القطيعة والخصومة بينهم حتى على مستوى الأسرة والبيت الواحد. ولكنه فتح الباب واسعا لكل صور استباحة الآخر والتنكيل به، وحذفه من التاريخ وربما من الجغرافيا أيضا، وتلك خلفية تسوغ لى ان أقرر بأن اختلافنا مع دور الجيش لا يقلل من احترامنا له أو حرصنا عليه، مذكرا بأن الاحترام غير التقديس، والأول يسمح لنا بأن نتحفظ وننتقد فى حين التقديس يعتبر أى انتقاد أو تحفظ من علامات المروق والخروج من الملة الوطنية فضلا عن المساس بالأمن القومى. إن القول بأن الجيش هو الضامن الوحيد لبقاء الدولة المصرية الذى يحول دون سقوطها يضعنا إزاء مغامرة خطرة. صحيح انه جرى التحذير من تحولها إلى فاشية عسكرية، وهو شرط مهم، ولكن الصياغة بهذه الصورة لا تخلو من تناقض. لأن انفراد الجيش بدور الضامن «الوحيد» يفتح الباب واسعا أمام الانزلاق باتجاه الفاشية العسكرية. ذلك أن وحدانيته تلك تعنى انه لا توجد فى المجتمع قوة أخرى تستطيع كبح جماحه ووضع حدود لممارساته وتطلعاته. لقد عاشت تركيا نحو سبعين عاما فى ظل درجات مختلفة من الفاشية العسكرية لأن الجيش اعتبر نفسه الضامن الوحيد لاستمرار النظام الجمهورى. ولم تستعد تركيا عافيتها إلا حينما أطاح المجتمع بتلك الأسطورة فى عام 2002، بحيث أصبح هو الضامن المسئول عن حماية الجمهورية، وظل الجيش محتفظا بدوره الحيوى فى حماية الحدود وأمن البلد. وأيا كان رأينا فى الممارسات الأخيرة التى شابت التجربة التركية، إلا أن التعامل معها ظل فى إطار آليات الخبرة الديمقراطية، بعيدا عن دور الجيش وتدخلاته التى عرضت البلاد لأربعة انقلابات عسكرية فى المرحلة السابقة. إن الضامن لبقاء الدولة المصرية هو مؤسسات أهلها التى يعد الجيش فى الصدارة منها، لكنه ليس الوحيد المعول عليه، وإذا أصيبت تلك المؤسسات بالضعف والهشاشة فإن الحل يكون بالعمل على استعادتها عافيتها وليس إلغاءها والمراهنة على الجيش وحده. إن دروس التاريخ منذ الإمبراطورية الرومانية حتى الاتحاد السوفييتى، تدل على ان التعويل على القوة العسكرية وحدها كان سببا فى السقوط وليس الاستمرار والنهوض. ذلك ان قوة الجيوش مهما تعاظمت فإنها لا تغنى ولا تعد بديلا لقوة المجتمعات بمختلف تكويناتها المؤسسية والسياسية والقضائية والعلمية.. وغيرها. حين كتب زميلنا الأستاذ جميل مطر مقالته «التقدم مسئولية الجيوش» ــ (جريدة «الشروق» 14/4/2014)، فإنه كان أكثر حذرا وصوابا، إذ ذكر «أن معظم التجارب التى كانت الجيوش تحكم بنفسها وتتولى مسئوليات سياسية عادية انتهت فى اسوأ الظروف بفشل أو كوارث. وانتهت فى أحسن الظروف بتعطيل النمو السياسى، بمعنى إعطاب قدرة الطبقات الوسطى على تشكيل أحزاب وحركات مدنية وبناء الوطن والمواطن.. ففى التجارب التى مارست فيها الجيوش الحكم بنفسها فإنها انشغلت بمشكلات الحكم والسياسة عن دورها الأساسى كقاطرة حضارة وتقدم». إن فى مصر شرائح تراهن دائما على دور السلطة التى لا ينكر أحد أهميتها. ولكن التحدى الكبير الذى نواجهه هو كيف يستدعى المجتمع وتستنفر طاقات العافية والإبداع فيه لكى يؤدى دوره فى تحقيق النهوض المنشود. فى هذا الصدد فلعلى لا أبالغ إذا قلت إن استدعاء دور الجيش يمثل الجهاد الأصغر، فى حين ان استحضار المجتمع وإحياء مؤسساته هو الجهاد الأكبر. والأول أمره ميسور، أما الثانى فهو التحدى الحقيقى الذى تختبر به الرغبة الحقيقية فى البناء والتقدم. اننا نريد لمحبة الوطن أن تقدم على محبة الجيش، وان تظل الأخيرة قربة للأولى. "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجيش والسياسة الجيش والسياسة



GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 08:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 08:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:54 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تكشف عن مفاجأة خاصة
  مصر اليوم - نانسي عجرم تكشف عن مفاجأة خاصة

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon