بقلم فهمي هويدي
فهمنا نفى رئاسة الجمهورية للخبر الذى نشرته جريدة «الشروق» بخصوص توجيه الرئيس السيسى بمنع المظاهرات فى ٢٥ أبريل، لكن الذى لم نفهمه أن تعمد وزارة الداخلية إلى تكذيب بيان رئاسة الجمهورية على الفوز. وقد بدا ملحوظا فى هذه الأجواء أن الصحف القومية ووسائل الإعلام المرئية الأخرى أبرزت النفى الأول ولكن مواقع التواصل الاجتماعى هى التى عممت التكذيب الثانى.
صحيح أن الداخلية لم تصدر بيانات، لكن ممارساتها على الأرض تكفلت بتوصيل الرسالة. فى الوقت ذاته فإن الأصوات المعبرة عنها ما برحت تتحدث عن «المؤامرة» موحية بأن تحركات الشباب وفاعلياتهم إما أنها جزء من المؤامرة المفترضة أو أنها تحقق لها مرادها فى نهاية المطاف.
لم تكن تلك الملاحظة الوحيدة لأن الأصوات المذكورة فى سعيها للتشكيك فى الاحتجاجات الراهنة لجأت أيضا إلى الادعاء بأن الإخوان وراء إطلاقها. من ثم فإنها نفخت فى حجم الجماعة وتأثيرها رغم كل ما جرى لها خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ثم أنها وقعت فى محظور آخر، حين جردت القطاعات العريضة من الشباب الجامعى من الغيرة على الوطن أو الحرص على حدود البلاد ورفض التفريط فيها.
وحين يتم ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه رسميا أننا بصدد عام الشباب، الذى يفترض أن تحتفى فيه الدولة بهم وتفتح أمامهم أبواب المشاركة والأمل، فإننا نصبح إزاء مفارقة تدعونا إلى التساؤل عما يمكن أن تؤول إليه الحال لو كان عاما عاديا، وليس فيه للشباب التميز المفترض.
بعد النفى الرئاسى الذى بدا مطمئنا بصورة نسبية، لم يستمر ذلك الاطمئنان سوى ساعات معدودة، لأن وزارة الداخلية تحركت فى اتجاه معاكس تماما، إذ إلى جانب استمرار احتجاز مجموعة الشباب الذين ألقى القبض عليهم فى مظاهرات جمعة الأرض (٢٥ شابا) فإن الحملات الأمنية انطلقت فى أغلب المحافظات المصرية مستهدفة طلاب الجامعات والنشطاء الذين ألقى القبض عليهم بعد مداهمة بيوتهم فى ساعات الفجر، كما أن الحملات استهدفت مساكن وسط البلد فى القاهرة وشملت الاعتقالات العشوائية أعدادا من الجالسين على المقاهى، وهو ما انتقده الحقوقيون وحزب مصر القوية، كما أصدرت ٩ حركات طلابية إلى جانب عدد من الأحزاب والشخصيات العامة بيانات أدانت حبس طلاب جامعة طنطا. كذلك قامت أجهزة الأمن الإدارى باحتجاز بعض الطالبات والطلبة فى جامعة عين شمس وأسيوط وجامعة حلوان. وكان ممن تعرضوا للاعتداء فى تلك الحملة كتاب وصحفيون تصادف وجودهم فى بعض المواقع المستهدفة. وعُلم أن أحد كتاب جريدة الأهرام (السفير معصوم مرزوق) منع من الكتابة فى الجريدة بسبب معارضته لاتفاق جزيرتى تيران وصنافير. كما أوقف لنفس السبب البرنامج التليفزيونى الذى كان يقدمه الإعلامى يوسف الحسينى. كذلك أوقف برنامج «ثوار لآخر مدى» المذاع على القناة الثالثة وتقرر تحويل أسرة البرنامج للتحقيق.. كل ذلك بسبب التضامن أو الدعوة إلى التظاهر احتجاجا على اتفاق الجزيرتين.
الشاهد أنه رغم النفى الرئاسى المطمئن فإن وزارة الداخلية شنت حملة ترويع واسعة لإجهاض الدعوة إلى التظاهر الذى يفترض أنه سلمى ولن يتجاوز رفع صوت الغضب الشعبى إلى مسامع أولى الأمر. ولجأت حملة الإجهاض إلى كل وسائل ترهيب الشباب وتخويفهم. ومن المفارقات أن عصبية مسئولى الداخلية وصلت إلى حد وقف زيارات نزلاء سجن العقرب حتى يوم ٢٥ ابريل وتهديد الأهالى الذين احتجوا على ذلك بعدما تكبدوا مشقة الوصول إلى أبواب السجن عند منتصف الليل لكى يسمح لهم بالدخول ولقاء ذويهم لعدة دقائق بعد طلوع الشمس.
لا أعرف كيف قرأت أجهزة المعلومات والتحليل المشهد الراهن. وما هى الصورة التى نقلت إلى رئيس الجمهورية من احتمالات ما يمكن أن يحدث غدا فى ٢٥ أبريل. لكن المراقب يستطيع أن يرصد أربعة أمور فى هذا الصدد. الأول أن أداء الداخلية جاء مخالفا للتوقعات التى انتظرناها أو تمنيناها بعد التكذيب الرئاسى. الثانى أن أجهزة الداخلية أصيبت بذعر كاد يفقدها صوابها جراء دعوات التظاهر فلجأت كما حدث فى ٢٥ يناير إلى الترويع والقمع والتمشيط الذى أشاع جوا من التوتر فى المجتمع كنا فى غنى عنه. الثالث أن الحملات الأمنية وسعت من دائرة السخط والغضب حين شملت أناسا لا علاقة لهم بما يجرى، إذ كانوا جلوسا فى مقهى أو متفرجين على بعض فاعليات الجامعات. الرابع أن السلطة بدت غير واثقة من المجتمع الذى تقوده، كما أنها ظهرت على صورة أضعف كثيرا مما توحى به حشودها ومدرعاتها وناقلات جنودها وملثميها وسجونها.
هذا التحليل إن صح فإنه يعنى أن المشكلة أكبر من جزيرة تيران وصنافير وأن ما خص الجزيرتين يمثل فصلا واحدا فى كتاب المرحلة.