بقلم فهمي هويدي
أغلب الظن أن كثيرين فى مصر على الأقل يحبسون أنفاسهم اليوم بانتظار مصير الطعن الذى قدمته الحكومة ضد قرار المحكمة الإدارية بإبطال اتفاقية الجزيرتين تيران وصنافير. وهم محقون فى ذلك لاريب. نظرا لدقة الموضوع وحساسيته، على الصعيدين المحلى والإقليمى. ورغم أن الحكم التاريخى الذى أصدره المستشار يحيى الدكرورى أنعش الأحلام وأخرج الأغلبية من وهدة الإحباط واليأس، إلا أن الأمر لم يخل من قلق ساور البعض إزاء بعض القرائن التى لاحت فى الفضاء المصرى خلال الأيام الماضية. ذلك أن كثيرين لم يستريحوا إلى الزيارة التى قام بها مساعد أحد الوزراء للشئون الدستورية والقانونية إلى مجلس الدولة بعد صدور الحكم، واجتماعه مع رئيس المجلس وأمينه العام وبقائه فى المجلس حتى الساعة الرابعة عصرا. وهى التى أثارت علامة استفهام كبرى ظلت بلا إجابة، ومن ثم فتحت الأبواب للتأويل وإساءة الظن. لاحظ المتابعون أيضا أن المحكمة أصدرت حكمها يوم الاثنين ٢٠ يونيو. وبعدما طعنت الحكومة عليه فى اليوم التالى أعلن أن الطعن سيبحث فى جلسة الأحد ٢٦ يونيو. وهى فترة قياسية فى قصرها. إذ المعتاد أن يستغرق الأمر شهرين أو ثلاثة، بل إن أحد الخبراء القانونيين أشار إلى قضية تنتظر تحديد جلسة للمحكمة العليا منذ أربع سنوات. واعتبر الاستعجال فى الحالة التى نحن بصددها قرينة أخرى رفعت منسوب القلق وفتحت بابا آخر للتأويل وإساءة الظن.
يلاحظ فى هذا الصدد أن استفتاء البريطانيين على علاقة بلادهم بالاتحاد الأوروبى أحيا لدى البعض فكرة حل الإشكال الحاصل بإجراء استفتاء مماثل يسمع فيه رأى المجتمع، وهو ما دعا إليه وعبر عنه النائب محمد أنور السادات رئيس لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان حين أصدر بيانا تساءل فيه: هل نتعلم وتكون إرادة الشعب هى الفيصل للحكم.. أم سنظل نمضى كما نحن الآن، الشعب فى واد والدولة فى واد آخر؟ مضيفا أن النموذج الذى قدمه البريطانيون جدير بالاحترام والاحتذاء، ذلك أنه فى الدولة الديمقراطية الحقيقية ينبغى أن تكون الكلمة فى القرارات المصيرية للشعب فقط (المصرى اليوم ٢٥/٦). وهو كلام مهم ومفيد سبق طرحه، لكن الأمور فى مصر مضت فى اتجاه آخر أوصل القضية إلى المحكمة الإدارية العليا التى يفترض أن تبحث طعن الحكومة اليوم. لذلك فمن الواضح أن الموضوع سيحسم قضائيا وسياسيا، الأمر الذى يستدعى السؤال التالى: ما هى الخيارات المتاحة أمام الإدارية العليا اليوم؟
سألت من أعرف من خبراء القضاء الإدارى فكان الرد كالتالى.
< يفترض أن يبحث الطعن أمام دائرة فحص الطعون المكونة من ثلاثة مستشارين، وليس للدائرة أن تفصل فى الموضوع، وغاية ما تملكه أن تحدد مصير الطعن.
< المصير فى هذه الحالة يتراوح بين ثلاثة خيارات. الأول أن ترفض الدائرة طعن الحكومة، وبذلك يصبح قرار محكمة القضاء الإدارى باتا ونهائيا. الثانى أن توقف الدائرة تنفيذ الحكم مؤقتا إذا كانت له نتائج حالة يتعذر تداركها على أن تفصل المحكمة العليا فى الموضوع لاحقا. الخيار الثالث أن تحيل الدائرة الحكم إلى المحكمة العليا دون أن توقف تنفيذه.
لا يستطيع أحد أن يتنبأ بما يمكن أن تنتهى إليه دائرة فحص الطعون اليوم. فالأمر متروك للقضاة الذين أرجو أن يكونوا قد تمكنوا من دراسة الموضوع خلال الأيام القليلة الماضية. مع ذلك فثمة اعتبار قد يكون له أثره فى تضييق الخيارات يتعلق بموعد إحالة رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس الدولة إلى المعاش، الذى يحل هذا الأسبوع. ذلك أن المستشار الدكتور جمال ندا الذى تجاوز السبعين كان قد بلغ السن القانونية فى العام الماضى، وطبقا للقواعد المتبعة فقد كان عليه أن يكمل السنة القضائية التى تنتهى فى أول يوليو الحالى. ولأن ذلك التاريخ يوافق يوم جمعة فيفترض أن يخلى مكتبه ويسلمه لخلفه الذى تم تعيينه يوم الخميس ٣٠ يونيو، أى بعد أربعة أيام من صدور قرار دائرة فحص الطعون بشأن القضية المثارة. ولأن المحكمة العليا التى يرأسها المستشار جمال ندا لن تستطيع دراسة ملف القضية الكبيرة خلال أربعة أيام، ولأن الأمر لا يحتمل انتظارا للسنة القضائية الجديدة (التى تبدأ فى أول سبتمبر)، فأغلب الظن أن دائرة فحص الطعون ستكون مخيرة بين احتمالين وليس ثلاثة. أعنى أنها إما أن ترفض طعن الحكومة أو توقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى الخاص بإبطال الاتفاقية. ووقف التنفيذ لا يعنى إلغاء الحكم، إلا أنه يحقق هدفين أولهما ضمان استمرار العمل بالاتفاقية، وثانيهما توفير الفرصة لاحتواء الموضوع من خلال تأسيس واقع جديد قد يتم ــ مثلا ــ من خلال عرض الاتفاقية على مجلس النواب، الأمر الذى قد يثير جدلا قانونيا حول حدود سلطات المجلس وسلطات القضاء الإدارى. وذلك مجرد استنتاج قد يصيب وقد يخيب. وفى كل الأحوال فإن الأمر سيحسم خلال الساعات القليلة المقبلة.