توقيت القاهرة المحلي 07:29:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة الصورة

  مصر اليوم -

رسالة الصورة

بقلم فهمي هويدي

صورة المستشار هشام جنينة وهو يجر حقيبة ملابسه، أثناء توجهه إلى مقر نيابة أمن الدولة بأطراف القاهرة محملة بمعان كثيرة ينبغى أن نقرأها جيدا، ذلك أنها المرة الأولى فى التاريخ المصرى المعاصر التى يحال فيها رئيس جهاز المحاسبات إلى نيابة أمن الدولة. إذ منذ تأسيس الجهاز فى عام ١٩٤٢، أى منذ نحو ثلاثة أرباع القرن، لم يوضع الحارس الأول على المال العام فى مثل ذلك الموقف، الأمر الثانى أن نيابة أمن الدولة كانت قد أصدرت بيانا فى ٢٨ مارس الماضى ذكرت فيه أن المستشار جنينة يواجه اتهامات بتضخيم أرقام حول الفساد مخالفة للحقيقة الأمر الذى من شأنه تعريض السلم العام للخطر وإضعاف هيبة الدولة.

وتلك تهمة قديمة مدرجة فى قانون العقوبات منذ عدة عقود حيث اعتبر تكدير السلم العام جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدد تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات. وقد جرى إحياؤها فى السنوات الأخيرة لمعاقبة غير المرضى عنهم والتنكيل بهم، خصوصا أن التهمة فضفاضة للغاية ولا تحتاج إلى أدلة لإثباتها. الأمر الثالث أن الرجل حين دعى إلى نيابة أمن الدولة فإنه توقع الأسوأ. إذ تحسب لاحتمال صدور قرار بحبسه اقتناعا منه بأنه يواجه طرفا مصرا على الايقاع به ولن يتردد فى حبسه إذا ما ارتأى ذلك، بغض النظر عن سلامة موقفه القانونى، الأمر الرابع أن سجل المستشار جنينة وتاريخه المهنى يكشف عن مشكلته الحقيقية التى عرضته لمتاعب كثيرة. ذلك أنه طوال عمره ظل مقاتلا صعب المراس، منذ كان قاضيا فى خدمة العدالة وأحد رموز الدفاع عن استقلال القضاء سيرا على درب أبيه المستشار أحمد جنينة الذى انتخب رئيسا لنادى قضاة القاهرة، إلى أن قدر للابن أن يرأس جهاز المحاسبات ويقود معركته ضد الفساد بلا هوادة. وفى معركته تلك فإنه لم يبال بما بدا أنه خطوط حمراء أو جهات سيادية أو ملفات محظورة، وشأن كل من وضع أصبعه فى عش الزنانير، فإنه ظل معرضا للسع طول الوقت.

الأمر الخامس أن مشهد الرجل وهو يجر حقيبته أمام مبنى نيابة أمن الدولة بدا وكأنه رسالة موجهة لكل من يأخذ الأمور على محمل الجد، غير مبال بالقوى الأخرى المستفيدة من استمرار الأوضاع القائمة، وهى قوى غير مرئية لكنها تملك من النفوذ ما يمكنها من أن تحافظ على مصالحها وتزيح من يقف فى طريقها بمختلف السبل، مهما كان مقامه أو وزنه.

الأمر السادس أن مشهد مثول الرجل أمام محقق نيابة أمن الدولة، وقضاؤه نحو ٥ ساعات فى المهمة التى استدعى من أجلها، بدا مهينا له وللدولة الذى كان قبل أشهر معدودة من أحد مسئوليها الكبار، وللدقة فإن الإهانة لم تكن من نصيبه وحده، وإنما هى تصيب كل من يستدعى إلى ذلك المكان الغامض والمهيب، المحاط بأسوار عالية، ولا يسمح بالدخول إليه إلا لمن سجل اسمه وحاجته لدى موظف قابع وراء مكتب جانبى، وعلى صاحب المصلحة أن ينتظر ساعات أو ساعات فى الشارع تحت الشمس الحارقة، قبل أن يؤذن له بالدخول.

ما يستحق الملاحظة أن المستدعى إلى نيابة أمن الدولة يفترض أنه ذاهب إلى إحدى أذرع العدالة وأبوابها. لكنه فى حالتنا يمر بطقوس ويوضع فى أجواء تملؤه بالخوف والرهبة. ويوحى إليه بأنه داخل إلى مؤسسة عقابية لا يأمن المرء على نفسه من ولوج أبوابها أو الخروج منها آمنا.

من المفارقات ذات الدلالة أن يكون ذلك مصير رئيس جهاز المحاسبات فى مصر، فى حين تشهد البرازيل زلزالا سياسيا كبيرا جراء تقرير أعده الجهاز المماثل هنا (يسمونه محكمة المحاسبة)، كشف عن فساد وتلاعب فى موازنة عام ٢٠١٥. وبسبب قوة المجتمع والبرلمان فإن التقرير كان سببا رئيسيا لعزل رئيسة البرازيل من منصبها بناء على تصويت فى البرلمان. ورغم التباين فى الحالتين، فإن البيانات التى أعلنها المستشار هشام جنينة لم تفتح ملفات إهدار المال العام، ولكنها انتهت بعزل الرجل من منصبه وإحالته إلى نيابة أمن الدولة.

لم توجه الاتهامات بعد إلى المستشار جنينة، لأن جلسة التحقيق التى تمت يوم الثلاثاء ٢٤/٥ كانت للاستدلال فقط، ويفترض أن نكون الصورة أكثر وضوحا بعد اللقاء الثانى الذى سيتم يوم الأحد المقبل. وحينئذ ستتضح معالم القضية التى ليس لنا أن نخوض فى تفاصيلها فى الوقت الراهن. وغاية ما نرجوه أن يحسن الأصل المنشود الانطباعات السلبية التى حملتها إلينا الصورة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة الصورة رسالة الصورة



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon