توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الدولة ضد الأمة

  مصر اليوم -

الدولة ضد الأمة

بقلم فهمي هويدي

من مفارقات زماننا وعجائبه أن استعدادنا للتواصل والتفاهم مع الأعداء صار أفضل منه مع الأشقاء. كان ذلك تعليقى على ما قرأت ما نشر بخصوص الإعلان الذى تم عن اتفاق الأتراك والإسرائيليين على تطبيع العلاقات بينهما بعد قطيعة استمرت ست سنوات.

صحيفة «حريت» المعارضة التركية هى التى نشرت الخبر فى عدد الثلاثاء ٢٦/ ٦، وذكرت أن مؤتمرا صحفيا سيعقد فى أنقرة يوم الأحد (اليوم) لإعلان التوصل إلى اتفاق البلدين على إنهاء الأزمة بينهما ومن ثم طى صفحتها والتطلع إلى صفحة جديدة للتعاون المشترك.

شعرت بالغيظ حين وقعت على الخبر، وتلبستنى الغيرة. حين قرأت أن تخفيف الحصار على قطاع غزة هو الذى آخر الاتفاق، ومد أجله لستة أشهر. ذلك أن المشكلة بدأت باعتداء إسرائيلى على سفينة الإغاثة «مافى مرمرة»، التى حاولت فى عام ٢٠١٠ كسر الحصار على القطاع. وكان عليها عدد من النشطاء، إلا أن إسرائيل تعرضت لها فى عرض البحر وهاجمت ركابها، الذين قتل منهم عشرة بينهم تسعة من الأتراك. وهو ما أجج الخلاف بين البلدين وأحدث قطيعة استمرت منذ ذلك الحين. وأعلنت أنقرة آنذاك أنها لن تعيد العلاقات مع إسرائيل إلا إذا استجابت لثلاثة شروط. أولها الاعتذار عما بدر منها. ثانيها دفع تعويضات مناسبة لأسر الضحايا. أما الشرط الثالث فتمثل فى رفع الحصار الظالم عن قطاع غزة.

وسواء تم ذلك بتدخل أمريكى أو بمبادرة إسرائيلية، فقد قدمت تل أبيب اعتذارها رسميا إلى أنقرة فى عام ٢٠١٣ ثم دخلت فى مفاوضات مطولة بخصوص موضوع تعويض أسر الضحايا، انتهت بالاتفاق على مبالغ التعويض مقابل سحب القضايا المرفوعة من الأتراك ضد الضباط والمسئولين الإسرائيليين أمام المحاكم التركية والدولية. أما ما تعلق بالموقف من حصار قطاع غزة فقد كان الملف الأكثر حساسية وتعقيدا الذى أجريت بشأنه مفاوضات مضنية واتصالات عديدة طوال السنوات الثلاث اللاحقة. ولأن الحصار أسهمت فيه إجراءات إسرائيلية وحسابات إقليمية فإن سقف المفاوضات لم يحتمل كسر الحصار بمعنى رفعه تماما بما فى ذلك إطلاق حرية الحركة التى تشمل معبر رفح. فقد تبين أن المفاوضات يمكن أن تحقق تقدمها على صعيد تخفيف الحصار وليس كسره أو رفعه تماما، خصوصا أن الأطراف الإقليمية العربية لم تكن بعيدة عن مناقشة حدود التخفيف الممكنة. ومن التقرير الذى نشرته الصحيفة التركية فإن الاتفاق فى ذلك الجانب شمل النقاط التالية: وافقت إسرائيل على إنهاء إجراءات بناء مستشفى لخدمة الغزيين. وأقرت بعدم وضع أيه عراقيل أمام وصول الأدوية والأجهزة والموظفين الأتراك العاملين فى المشروع وستتعاون ألمانيا مع تركيا فى بناء محطة لإنتاج الكهرباء وحل مشكلة النقص الفادح فى الطاقة الكهربائية بالقطاع ــ ستقوم تركيا ببناء محطة لتحلية المياه فى غزة ــ وستمر جميع المساعدات دون أيه عراقيل عبر ميناء أشدود إلى القطاع.

قبل أن أسترسل ألفت الانتباه إلى أننى لست فى وارد الحفاوة بأى تطبيع مع إسرائيل وأعتبر أن مقاطعة نظامها الفاشى والاستيطانى هى الأصل وإذا كانت تركيا قد تورطت فى تلك العلاقة منذ عام 1949، حيث كانت ثانى دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بالكيان الصهيونى (إيران اعترفت بها عام 1948 وكانت الأولى)، فإننى أزعم بأن العلاقة مع إسرائيل أصبحت «عاهة سياسية» اصيبت بها تركيا وينبغى أن تتخلص منها يوما ما. وإزاء اللامعقول السياسى الحاصل فى العالم العربى الذى انقلبت فى ظله المعايير، فإن التطبيع الذى يفيد قطاع غزة يظل أقل سوءا من التطبيع الذى يشدد الخناق عليه. وقبولنا المؤقت بهذا الوضع فى الحالة التركية يعد من قبيل تفضيل العور على العمى.

الاتفاق والتطبيع الذى أعلن يستدعى المفارقة التى أشرت إليها فى السطر الأول، ويعبر عنها السؤال التالى: لماذا تكلل التفاهم بين أنقرة وتل أبيب بالاتفاق، فى حين استمرت القطيعة السياسية بين القاهرة وبين كل من أنقرة وطهران؟ أدرى أن هناك خلافا فى السياسات، لكننا فشلنا فى إدارة الخلاف وسمحنا له أن يتحول إلى قطيعة. يتحمل كل طرف قسطا من المسئولية عنها. هل لأننا نستقوى على أشقائنا؟ أم لأن حساسيتنا أشد إزاءهم بحكم العشم والوشائج المفترضة؟ أن أن موقفنا متأثر بضغوط خارجية لنا مصلحة فى التجاوب معها؟ أم أن حساباتنا شخصية مع الأشقاء وموضوعية مع الأعداء؟ تعدد الأسئلة المثارة يعنى أن الظاهرة تحتاج إلى مناقشة أوسع تفسير وتصوب المسار وتعالج الخلل الذى يعتريه. وإلى أن يتحقق ذلك فإن استمرار المفارقة يظلل شهادة تدين العقل السياسى وتعلن فشل رؤيته الاستراتيجية، بدليل عجزه عن الحفاظ على التواصل المفترض مع الأشقاء الذى نسجته الوشائج على مدى التاريخ، الأمر الذى يضعنا أمام خسارة مضاعفة. ذلك أنا نضعف صفوفنا حين نخاصم الأشقاء ونقيم الجدران التى تفصلنا عنهم. فى الوقت ذاته نقوى صف الأعدء حين نمد جسور الوصل والتحالف معهم، بحيث تصبح الدولة ضد الأمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدولة ضد الأمة الدولة ضد الأمة



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon