فهمي هويدي
إذا حاولنا أن نقارن بين ما شهدته مصر فى ٢٥ يناير ٢٠١١ وما جرى فى ٢٥ أبريل هذا العام (٢٠١٦) فسنجد تشابهات وتباينات عدة جديرة بالرصد، فالأول مناسبة صنعها أبطال الشرطة، والثانية مناسبة وراءها أبطال الجيش. والمناسبتان استثمرهما النشطاء للتعبير عن الغضب، حدث يناير كان غضبة لما حل بالمجتمع وناسه من فساد وظلم. أما تظاهرات أبريل فإنها كانت غضبة وغيرة على تراب الوطن.
وفى المناسبتين كانت مواقع التواصل الاجتماعى هى قناة التعبئة والحشد، وكانت المظاهرات السلمية وسيلة التعبير عن الغضب. وما حدث فى ٢٥ يناير فاجأ النظام الذى بوغت بالجماهير فى ميدان التحرير وفى غيره من ميادين مصر. أما حدث أبريل فقد تم فيه استيعاب الدرس واختفى عنصر المفاجأة. وكان إغلاق ميدان التحرير ونشر الحواجز والكمائن فى الشوارع الرئيسية بقلب العاصمة رمزا لذلك. وما تولته عناصر الحزب الوطنى لإفشال احتشاد يناير (من خلال تظاهرة مصطفى محمود وموقعة الجمل مثلا) كررته أحزاب الموالاة التى استجلبت مجموعات من الأقاليم لتقف فى مواجهة مظاهرات الغضب فى القاهرة، وإذا كانت الشرطة فى يناير قد أطلقت الرصاص على المتظاهرين وجرى استهدافها بعدما أصبحت موقع اتهام وصارت فى موقف الدفاع، إلا أنها هذه المرة استوعبت الدرس وصارت فى موقف الهجوم الذى نجح فى تفريق المظاهرات، واكتفى بإطلاق قنابل الغاز واعتقال بعض المتظاهرين، ولم تلجأ إلى استخدام الرصاص الحى.
ثمة تباينات أخرى مهمة أوجزها فيما يلى:
< حدث يناير ٢٠١١ كان موضع إجماع شعبى عارم شاركت فيه الجماهير العريضة فى مختلف أنحاء مصر. أما حدث أبريل الحالى فإنه خرج من مجتمع منقسم بالأساس، لكن مسألة الجزيرتين شكلت نقطة لقاء بين عدد غير قليل من المنقسمين. وبسبب التباين فى الخلفيات فإن قوام تظاهرات يناير تمثل فى الجماهير المليونية التى خرجت فى كل أنحاء مصر. أما تظاهرات أبريل الأخيرة فكانت المشاركة فيها أقل، إذ بدا واضحا أن النشطاء قوامها، كما أنها، خرجت فى بعض المدن والأقاليم دون غيرها.
< لا تفوتنا فى هذا الصدد ملاحظة أن التيارات الإسلامية كانت حاضرة فى فاعليات ثورة يناير، وكان دورها مشهودا فى ميدان التحرير لكن تلك الجموع غابت فى تظاهرات أبريل، حيث بات حضورها القوى مقصورا على السجون الموزعة على أرجاء مصر.
< اختلاف الأجواء ملحوظ فى الحالتين فتظاهرات يناير خرجت فى سياق ثورة الربيع العربى التى انطلقت شرارتها من تونس، أما تظاهرات أبريل فقد انطلقت فى مناخ الجزر وانتكاس الربيع وانكسار موجته. وإذ فوجئت دول المحيط بانطلاقة يناير فإنها وقفت مترقبة ومتكتمة لمشاعرها. وهو ما اختلف هذه المرة، لأن الدول المذكورة كانت قد حددت مواقفها وأعلنت عن تحيزاتها، وإذا استخدمنا مفردات التعليق الرياضى فقد نقول إنها تركت مقاعد البدلاء، ونزلت إلى الملعب متصدرة مواقع الهجوم.
< تتصل بما سبق مفارقة أخرى. ذلك أن بضعة أشخاص رفعوا العلم السعودى أثناء تظاهرات يناير، وهو ما كان موضع تندر وانتقاد واسع النطاق ــ وحين تكررت الواقعة فى تظاهرات أبريل ــ فى القاهرة على الأقل ــ فإن رافعى العلم السعودى كانوا يرحب بهم وتؤمن مسيرتهم، وتفسح لهم قوات الأمن الطريق لكى يرددوا هتافاتهم ويعبرون عن مشاعرهم.
< قد لا نبالغ إذا قلنا إن الذين خرجوا فى أبريل منسوبون إلى الذين خرجوا فى يناير، أما الذين حشدوا ضدهم فقد كانوا أقرب إلى نظام مبارك الذين رددوا شعار «آسفين يا ريس» فى السر والعلن.
< بوسعنا أن نصف ما جرى فى يناير ــ أيا كانت نتائجه ــ بأنه كان زلزالا قوض النظام وأسقطه بعدما استمرت التظاهرات طوال ١٨ يوما. أما ما جرى فى أبريل فيمكن أن يوصف بأنه هزة أرضية وقعت فى يوم واحد، لكنها أغضبت النظام واستنفرته. لذلك فإنه إذا كان لنا أن نصف ما جرى فى يناير باعتباره فصلا فى كتاب الثورة. فإن ما جرى فى أبريل الحالى ــ وحتى إشعار آخر ــ فإنه مجرد صفحة فى الكتاب المذكور، وذلك لا يقلل من شأنها لأن الكتاب المذكور ليس سوى مجموعة من الصفحات المماثلة. وإذا أدركنا فى يناير أن الشعب قد استعاد وعيه، فإن تظاهرات أبريل جاءت دالة على أنه لم يفقد وعيه بعد.