توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صورة طبق الأصل

  مصر اليوم -

صورة طبق الأصل

بقلم فهمي هويدي

غضب المصريين لما جرى فى محافظة المنيا فرض عين يأثم كل من قصر فى التعبير عنه. إذ ليس معقولا ولا مقبولا أن تتسبب شائعة عن علاقة عاطفية بين قبطى ومسلمة متزوجة فى هتك عرض أم الأول وإحراق ٧ منازل لمواطنين من الأقباط. أتحدث عن الفتنة التى أطلت برأسها فى قرية الكرم التابعة لمحافظة المنيا، وهزت وقائعها ضمائر المصريين، خصوصا ما تعلق منها بما أصاب الأم المسنة التى جردت من ثيابها وفضحت أمام الملأ جراء ما نسب لابنها. وهى الجريمة التى تعددت أصداؤها المستحقة والمشروعة. إلا أننا ينبغى ألا نكتفى بتسجيل الغضب أو إشهاره بأعلى صوت، لأن الخلفيات والدلالات فيما جرى تستحق رصدا وانتباها.

صحيح أن ضبط النفس مطلوب كما ذكر الأنبا تواضروس بطريرك الكنيسة الأرثوذوكسية، إلا أن تلك الرسالة موجهة إلى الأطراف المباشرين، فى حين أن الباحثين وأهل النظر لهم دورهم فى تعميق النظر وترشيد الغضب، فى الوقت ذاته فإننى لا أوافق محافظ المنيا الذى هون من الأمر واعتبره أزمة عارضة، سيرا على نهج وزارة الداخلية التى دأبت على وصف انتهاكات المنتسبين إليها باعتبارها حالات فردية.

لقد استبق المدونون الجميع، وملأوا مواقع التواصل الاجتماعى بالتعليقات الذكية والغاضبة، فمن قائل إن ضبط النفس لا يكفى لأن ضبط الجناة مطلوب أيضا، وقائل إن الشرطة تقاعست عن إطفاء نار الفتنة، ولو كان الغاضبون قد هتفوا ضد الرئيس السيسى لسارعت إلى قمعهم وردعهم. كما تعددت كتابات «المغردين» الذين ذكروا أن هتك عرض الأم المسنة ليس مفاجئا ولا مستغربا، لأن الشرطة وجناح البلطجية التابع لها اعطوا المجتمع دروسا عديدة فى التحرش وهتك أعراض النساء، سواء ممن اشتركن فى المظاهرات أو كن من زوجات المتهمين فى بعض القضايا السياسية. وذكرنا آخر بالمقولة التى انتقدت المبالغة فى الغيرة على عرض المرأة فى مجتمعاتنا العربية مع السكوت وعدم الاكتراث بما يصيب عرض الأوطان من انتهاكات.. إلخ.

لا تخلو تعليقات المغردين من وجاهة وصواب، وهو ما يشجعنى على إضافة بعض الملاحظات أولها أن ما جرى ينبغى أن يكون شأن الدولة وليس شأن الكنيسة، أعنى أن للكنيسة أن تتضامن مع رعاياها، لكن السلطة هى التى ينبغى أن تدافع عن مواطنيها بقوة القانون وحزمه، ثانية الملاحظات أننا يجب ألا ندفن رءوسنا فى الرمال، وندعى تارة بأن ما جرى جزء من المؤامرة الكونية ضدنا، أو أن الإخوان هم الذين اشعلوا نار الفتنة، لأن ثمة مشكلة مجتمعية يتعين الاعتراف بها والتعامل معها، فنحن الجناة ونحن المجنى عليهم، وذلك يقودنا إلى الملاحظة الثالثة والأهم التى خلاصتها أن قيام مجموعة من الناس بتوقيع العقاب على آخرين تأديبا لهم أو انتقاما منهم يكشف عن ظاهرة مؤرقة تحتاج إلى دراسة وعلاج ولأنها تكررت سواء بالنسبة للأقباط أو رموز الشيعة المصريين، كما أنها تمثلت فى حالات قيام الأهالى بقتل أو صلب بعض اللصوص فأزعم بأنه لا تفسير لها سوى أنها تعكس تراجعا ملحوظا فى احترام القانون والثقة فى جدواه، وهذه الظاهرة من الخطورة بمكان لأنها تنذر بإشاعة الفوضى وتتنبأ بانحسار دور السلطة، إذ حين يتصور البعض بأن بوسعهم أن يحصلوا على حقوقهم بأيديهم فإن ذلك يلغى دور القانون والسلطة بصورة تدريجية، وإهدار قيمة القانون لا ينال من هيبة الدولة فحسب، وإنما هو خطوة باتجاه تفكيكها. ومن المفارقات أننا نكثر من توجيه تهمة إهانة المؤسسات والرموز والعمل على إسقاط الدولة للناقدين والمعارضين، دون أن تنتبه إلى أن إهانة الإنسان والعبث بالقانون هو ما ينال من هيبة الدولة ويهدد بإسقاطها، معنويا وأخلاقيا على الأقل، وحين قال بعض المغردين إن التحرش بالنساء وهتك أعراضهن من بين الانتهاكات التى سمحت بها الشرطة ومارستها، وكان ذلك من الدروس التى تلقاها المجتمع خلال السنوات الأخيرة، فإنهم وضعوا أيديهم على بعض جذور الأزمة التى نواجهها، ذلك أن من يتابع تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة يدرك أن ما حدث فى المنيا للمرأة المسكينة وجيرانها هو صورة طبق الأصل لممارسات بعض رجال الشرطة مع الأهالى.

كنت قد تطرقت إلى هذه المسألة فى كتاب لى صدر قبل نحو ثلاثة عقود عن «التدين المنقوص».

أفردت فيه فصلا كان عنوانه «الحكومة وأخلاق الناس» خلصت فيه إلى أنك «إن وجدت بين الناس فضائل شاعت، أو رذائل ومعايب تفشت وذاعت، ففتش عن الحكومة ودقق فيما تقول وتفعل، حتما ستجد ذلك الحبل السرى الذى يربط فيما بين الاثنين، حتى يتخيل إليك أنك بإزاء نهر واحد. السلطة منبعه والناس مصبه، وقد تقول مع من قال بأن المحكومين مرآة الحاكمين، وأن الناس بأمرائهم اشبه منهم بآبائهم.

أرجو ألا أكون بحاجة للتنبيه إلى أننى لست بصدد تبرير ما جرى فى المنيا، لكننى فقط أحاول تفسيره، إلى جانب التسليم بضرورة محاسبة الفاعلين وردعهم، ولا أعرف كيف نسترضى الأم التى تعرضت لما تعرضت له، حيث لا يكفى أن نقدم لها اعتذارا، وأن يتناوب تقبيل رأسها التسعين مليون مصرى، وذلك بعض حقها علينا ونحن ندعو الله ألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صورة طبق الأصل صورة طبق الأصل



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon