فهمي هويدي
المتظاهرون مخربون وإخوانجية، والشرطة تصرفت بصورة حضارية والتزمت بضبط النفس. هذه هى الرسالة التى وجهها الإعلام الأمنى للمجتمع المصرى فى أعقاب تظاهرات ٢٥ أبريل، التى خرجت احتجاجا على موضوع الجزيرتين. وبهذا المنطوق فإن المتظاهرين يصبحون أشرارا وقعوا فى الغلط، أما رجال الشرطة فهم الأبرار الذين عدَّاهم العيب.
رغم أن التظاهرات لم تستغرق سوى ساعات معدودة، ولم تحدث حالة عنف أو تخريب واحدة من جانب المتظاهرين الذين كانوا من تمسك بالسلمية والأداء المتحضر والقانونى، ولم ير للإخوان حضور لا فى لافتة أو هتاف، فى الوقت ذاته فإن «ضبط النفس» الوحيد الذى مارسته الشرطة مشكورة أنها لم تطلق الرصاص على المتظاهرين، واكتفت بإطلاق قنابل الغاز عليهم واستخدام خراطيم المياه، ثم إنها تولت القبض على من طالته أيديهم، وألقت بالجميع فى السيارات التى كانت مجهزة لاستقبالهم، فى حين قام «احتياطى» البلطجية بواجب تأديبهم. وبعد تكديسهم فى أقسام الشرطة ومعسكرات الأمن المركزى قامت بتلبيس البعض قائمة الاتهامات المقررة، التى تتراوح بين التحريض على التظاهر واستخدام القوة لقلب نظام الحكم وصولا إلى الانضمام إلى جماعة إرهابية والإضرار بالسلم الاجتماعى، مرورا بمهاجمة أقسام الشرطة ومنع السلطات من مواصلة عملها. أما الذين تم إخلاء سبيلهم فقد عوقبوا بغرامات تراوحت بين٥٠٠ وألف جنيه، وقرأت أن المحبوسين فى أحد أقسام الشرطة وقعت عليهم غرامات تجاوزت ٤٢ ألف جنيه.
يوم الأربعاء ٢٧/٤ ــ بعد يومين من التظاهرات ــ نشرت صحيفة «الأهرام» عنوانا عريضا على صفحتها الأولى كان نصه: المصريون يرفضون التخريب ويفضحون الحجم الحقيقى للإرهابية، والتقرير المنشور تحت العنوان وردت فيه العبارات التالية: فشلت جماعة الإخوان الإرهابية فى تعكير صفو احتفالات المصريين بذكرى تحرير سيناء.. مستغلة حماس بعض القوى السياسية فى مسألة جزيرتى تيران وصنافير.. فى محاولة لإثارة الشباب، لكن الشعب أحبط المحاولة إدراكا منه أنها ترمى إلى هدم الوطن ووقف مسيرته. وتجلى هذا فى الاستجابة الضعيفة لمثل هذه الدعوات. وبرز توجه التيار العريض من الشعب فى احتشاد الآلاف فى عدد كبير من الميادين بالقاهرة والمحافظات حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى، احتفاء بتضحيات رجال القوات المسلحة المخلصين وحرصهم الشديد وحمايتهم لتراب الوطن وعدم التفريط فى حبة رمل واحدة منه.
هذا الكلام نشر بعد يومين من الحدث فى إطار الإلحاح على شيطنة المتظاهرين وتشويههم. وثمة كتابات أخرى أكثر فجاجة جرى ضخها لتأكيد الشيطنة، بعضها أقرب إلى العبارات التى تكتب على جدران المراحيض العمومية، أما مسألة ضبط النفس التى تحلت بها الشرطة فقد وردت على لسان رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب محمد أنور السادات، فى الحوار الذى أجرته معه جريدة «الشروق» ونشر فى٢٨/4 ــ ومن المفارقات الطريفة أن المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى هو حكومى بامتياز وبياناته حافلة بمجاملة السلطة والتستر على انتهاكاتها لم يستطع أن يغطى على الممارسات «الحضارية» للشرطة، فأصدر بيانا نشرت «المصرى اليوم» خلاصة له، انتقد القبض العشوائى على المواطنين وتوسيع دائرة الاشتباه فى احتجازهم بالمخالفة للدستور. كما انتقد محاصرة الشرطة لنقابتى الصحفيين والأطباء ومحاصرة مقر كل من حزبى الكرامة والدستور. فى الوقت ذاته نشرت «الشروق» خلاصة بيان مجلس نقابة الصحفيين الذى أدان الانتهاكات «المشينة» للشرطة بالاعتداءات التى تعرض لها الصحفيون أثناء تأدية عملهم فى تغطية التظاهرات، كما انتقد البيان محاولات «قطعان البلطجية» الذين تجمعوا أمام مقر النقابة وحاولوا اقتحامها.
فى مقابل ممارسات «الأبرار» من رجال الشرطة، فإن المتظاهرين «الأشرار» لم يجدوا وسيلة للتعبير عن معاناتهم وفضح ما جرى لهم سوى المدونات التى حفلت بها وتناقلتها مواقع التواصل الاجتماعى، ومنها ما صدر عن بعض المحامين الشجعان الذين تحملوا الكثير لمحاولة الدفاع عن الشبان المحتجزين وحماية حقوقهم.
المفارقة المهمة فى المشهد أن الإعلام الأمنى الذى أراد أن يشير بأصابع الاتهام إلى مؤامرات الإخوان لتخريب البلد وإسقاط نظامها، حرص على أن يذكر أن أولئك الأشرار استغلوا الشباب النقى والطاهر لتحقيق أهدافهم. ولكن ما حدث أن المحبوسين لم يكن بينهم أحد من الإخوان. أما الذين تقرر احتجازهم وتمديد الحبس لهم كانوا أولئك الشباب «الطاهر والنقى» الذين تحدثت التسريبات الأمنية عن براءتهم.
خلاصة الرسالة التى لا يكف الإعلام الأمنى عن الإلحاح عليها هذه الأيام هى أن كل متظاهر إما أنه مخرب ومتآمر وإما أنه مغيب وملعوب فى رأسه. وبهذا المنطق فليس بين المتظاهرين مخلص لوطنه وغيور عليه وغاضب لما أصابه. وهى ليست رسالة فحسب، ولكنها إنذار مبطن لكل من تسول له نفسه أن يغضب لوطنه أو يغار عليه. فهؤلاء لا مكان لهم فى الميادين، ولكن سجن طرة جاهز لاستقبالهم وتلقينهم الدرس الذى لم يتعلموه.