توقيت القاهرة المحلي 18:25:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر التليفزيونية

  مصر اليوم -

مصر التليفزيونية

فهمي هويدي

مصر التليفزيونية تفضح بعض عوراتنا من حيث لا تحتسب. آية ذلك أننا نتابع على الشاشات إعلانات المنتجعات الجديدة التى تعوم فوق الماء وتحفل ببرك السباحة وملاعب الجولف. وفى الوقت نفسه نقرأ على صفحات الصحف أخبار القرى والزراعات التى تموت من العطش، وذلك تناقض محير ومستفز. إذ يدهشنا البون الشاسع بين النموذجين، حتى لا يكاد يصدق المرء أنهما صورتان لبلد واحد. ولا يستغرب فى هذه الحالة أن يؤدى ذلك إلى انتشار مشاعر الاستياء والنقمة بين ضحايا شح المياه، الذين باتوا يعتبرون توفيرها فى بيوتهم حلما بعيد المنال.

لا أخفى أننى أحد الذين يستفزهم ذلك التناقض الحاصل، وكنت قد كتبت قبل حين عن أزمة ١١ قرية فى محافظة الشرقية انقطعت عنها المياه منذ عدة أشهر كما أن الصحف باتت تتحدث بين الحين والآخر عن اتساع نطاق الأزمة فى محافظات الصعيد. وقد شجعنى على العودة إلى الموضوع ما قرأته هذا الأسبوع عن حملة دعت إليها جمعية الدفاع عن المستهلكين فى إيطاليا التى استفزها مشروع ترفى محلى أقيم فوق إحدى البحيرات، فقررت محاسبة المسئولين عن تمويله وطالبت بالتحقيق فى جدواه الاقتصادية. خلاصة القصة التى بثتها وكالة الأنباء الفرنسية يوم ٢٦ يونيو الحالى كالتالى:

أعلنت جمعية الدفاع عن المستهلكين الإيطاليين أنها تنوى تقديم شكوى إلى السلطات المحلية فى شأن تبذير المال العام الذى أنفق على الجسور العائمة التى أقامها أحد الفنانين (كريستو) على بحيرة «ايسيو» الإيطالية منذ ١٨ يونيو، إذ لقيت الجسور إقبالا شديدا من السياح وراغبى التسريه وفد عليها عشرات الألوف منهم للتنزه على الجسور الممتدة بطول ثلاثة كيلومترات ليلا ونهارا. وقالت الهيئة إن الكلفة الهائلة لعمليات التنظيف وكلفة ضمان الأمن تثيران تساؤلات حول صحة الإذن الذى أعطى لإقامة تلك المنشآت. كما تساءلت عن الانعكاسات الاقتصادية للمشروع، وعن المبالغ التى أنفقت من حصيلة الضرائب لإنجازه. كما أنها اعتبرت أن تنفيذه وفر دعاية كبيرة للفنان صاحب الفكرة، دون أن يحقق أرباحا تذكر للمنطقة أو للمواطنين.

كان ٢٧٠ ألف شخص قد زاروا الموقع خلال الأيام الخمسة الأولى. وهو عدد تجاوز توقعات المنظمين، الذين كانوا يعولون على نصف مليون شخص خلال ١٦ يوما، وهى المدة التى ستبقى فيها الجسور مفتوحة أمام الجمهور (حتى الثالث من شهر يوليو).

من الخبر نجد أن مشروعا سياحيا ترفيا نفذ، لكن جمعية الدفاع عن المستهلكين راقبته وحرصت على التدقيق فيما إذا كان دافع الضرائب الإيطالى تحمل جانبا من تمويله أم لا، كما تساءلت عن جدواه الاقتصادية ومدى النفع الذى يمكن أن يحققه للمنطقة أو للمواطنين، لم تعترض على استمتاع السياح وغيرهم به، لكنها شاغلها الأهم ظل منصرفا إلى مصالح المواطنين، وترشيد الإنفاق العام.

فى حالتنا يتصرف المستثمرون بغير رقيب أو حسيب، بحيث يظل شاغلهم الأوحد هو الحصول على أقصى ربح ممكن، حتى إذا كان ذلك على حساب البيئة أو راحة المواطنين، أو ما يمكن أن تحدثه برك السباحة وملاعب الجولف من تأثير على وفرة المياه بالمنطقة. خصوصا أن الجميع يعلمون أن مصر مقبلة على مرحلة شح فى المياه جراء أزمة سد النهضة الإثيوبى والبدء فى تخزينه فى العام المقبل.

أشك كثيرا فى أن يكون أحد من أصحاب المنتجعات قد اعتنى بدراسة تأثير مشروعه على البيئة المحيطة أو الخدمات أو حدود موارد المياه المتاحة له. إذ فى غيبة المساءلة والرقابة المجتمعية فإن همَه يظل منصبا على كيفية توظيف كل تلك العناصر لصالح إنجاح مشروعه ورفع عوائده.

ما سبق يسوغ لى أن أسجل ملاحظتين، هما:

< إن الفرق بين النموذجين المصرى والإيطالى يجسد الفرق بين قيمة المواطن هنا وهناك، فالمواطن هناك صاحب صوت ودافع للضرائب، وهناك منظمة تدافع عن حقوقه وترعى مصالحه، أما فى بلادنا فإن شبكة المصالح تمثل مركز القوة الحقيقى. والمستهلكون لا صوت لهم ولا وزن أيضا.

< الملاحظة الثانية أن المقارنة فى الحالة المصرية لا تكشف فقط عن ضعف المجتمع وهشاشة منابر التعبير عنه، لكنها كاشفة عن المدى الذى بلغه التفاوت بين الطبقات واتساعه لفجوة بين الأغنياء والفقراء. والرمز هنا واضح فى أناس ينعمون بالماء ويلهون بها، وآخرون يحلمون بالماء وتنتشر بينهم الأمراض جراء قدرته، كما أنهم يضطرون إلى التيمم للصلاة والغسل.

ما لم يستعد المجتمع عافيته بحيث يسمع له صوت. فإنه سيظل مرتهنا لحسابات شبكات المصالح وعاجزا عن الدفاع عن حقوقه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر التليفزيونية مصر التليفزيونية



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024
  مصر اليوم - المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات
  مصر اليوم - ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 03:29 2020 السبت ,14 آذار/ مارس

بورصة تونس تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 14:03 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أول تعليق من محمد منير بعد وفاة مدير أعماله وزوج شقيقته

GMT 06:49 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عزل ترامب
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon