توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التليفزيون مرجعًا للشباب

  مصر اليوم -

التليفزيون مرجعًا للشباب

فهمي هويدي

زارنى عدد من طلاب الإعلام لإجراء حوار يفترض أن يكون جزءا من مشروع تخرجهم فى نهاية العام. وقد حمل كل واحد منهم بضعة أسئلة حول الأوضاع الراهنة فى مصر. وكان من بين تلك الاسئلة ما يلى: لماذا لا يعود المجلس العسكرى لحكم مصر؟ وهل صحيح أن الرئيس مرسى فقد شرعيته؟ وهل صحيح أن حركة حماس تتولى حمايته؟ ما العمل فى جهاز الشرطة الذى لا يزال يصر على تعذيب المصريين وقتلهم؟ هل يمكن أن تباع قناة السويس للمستثمرين؟ وهل توطين الفلسطينيين فى سيناء ممكن؟ لماذا لم تحاسب حركة حماس على اشتراك عناصرها فى قنص الثوار؟ إلى أى مدى تعد إيران تهديدا وخطرا على مصر؟ ألا يعد منح حق الضبطية القضائية للمواطنين العاديين مقدمة لحدوث حرب أهلية فى مصر؟ هل يمكن أن يحكم البلد أعضاء جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ هل تؤيد حق النوبيين فى الانفصال وحق أهالى بورسعيد فى الاستقلال عن مصر؟... إلخ. بعض تلك الاسئلة أجبت عنها بما تيسر، والبعض الآخر قلت إنه لا يعقل طرحها من الأساس، لأنها مبنية على شائعات وأخبار غير صحيحة. لكن الخلاصة التى خرجت بها من اللقاء أن معلومات هؤلاء الشباب مستقاة من برامج التليفزيون وعناوين الصحف، بمعنى أنهم ينتمون إلى جيل عصر المشاهدة، الذى تتشكل لديه الانطباعات وتتحدد الرؤى بناء على ما يشاهده المرء ويتلقاه من الخارج بغير جهد منه فى التحصيل أو القراءة الخاصة. وحتى أكون أكثر دقة فإن ذلك كان حكمى على الذين لقيتهم من الشباب ولا أستبعد أن تكون هناك نماذج أخرى أفضل حالا. فى تحليلى للموضوع خلصت إلى ما يلى: أنه فى عهد الاستبداد التى خلت هجر المصريون السياسة واستقالوا منها. فلا الأحزاب كانت تشجع على الانخراط فيها، ولا النقابات كانت بعيدة عن بطش السلطة وتحكمها، ولا الانتخابات النيابية أو المحلية أو حتى الطلابية كان يمكن أن تمر دون ضغوط الأجهزة الأمنية وتدخلاتها. وحين أدرك الناس أن باب السياسة مغلق فى وجوه الأغلبية ومفتوح على مصراعيه لأعوان النظام السابق، فإنهم أداروا ظهورهم لها وانصرف كل واحد إلى حال سبيله وقد اختزن مشاعره واحتفظ لنفسه بآرائه فى محيطه. حين قامت ثورة 25 يناير وكان خروج الملايين الحاشدة هو السبب الرئيسى فى إسقاط نظام مبارك بكل قوته وجبروته فإن ذلك أحدث انقلابا شاملا فى المشهد، كان من أبرز نتائجه أن الذين استقالوا من السياسة فى السابق عادوا إليها بقوة وصلت إلى حد الاندفاع، وكانت تلك العودة إيذانا بالجهر بكل ما كان مكتوما ومخزونا من مشاعر وانطباعات. ولأن حرية التعبير وغيرها من الحريات العامة غدت بلا سقف فى مصر، فقد أصبح بمقدور كل أحد أن يبوح بما عنده، باللغة التى يختارها وتمكِّنه من التعبير عن نفسه وإيصال رسالته إلى الآخرين، وفى ظل الانفلات الأمنى وغياب الشرطة فلم يعد أحد يعمل حسابا لأحد، وفى حالات كثيرة فإن الحدود تلاشت بين المباح وغير المباح والمعقول واللا معقول. ما يهمنا فى مشهد العودة إلى السياسة أن الجميع دخلوا إلى الحلبة فجأة باختلاف أعمارهم وفئاتهم. وتحقق ذلك الدخول فى ظروف ثورة الاتصال التى مكنت كل صاحب رأى أن يرفع صوته وأن يوصله إلى الآخرين فى ثوان معدودة، حتى صار لكل مواطن جريدته التى يتولى تحريرها بنفسه ويبث فيها آراءه فى كل ما يعن له. ولأن جيل الشباب هم الأقرب إلى أدوات تلك الثورة والأقدر على استيعابها والتعامل معها، فإن إيقاع العصر وقصر الوقت حرمهم من فرصة التحصيل وإحداث التراكم المعرفى المفترض. بالتالى فإن مرجعيتهم الثقافية باتت محصورة فيما يشاهدونه من صور وما يتابعونه من حوارات تليفزيونية وما يطالعونه من عناوين شريط الأخبار. وبعدما جذبتهم السياسة عقب الثورة، فإن الجميع صار لهم رأى فيها، حتى نافسوا فى ذلك تحول الجميع إلى خبراء ونقاد لمباريات كرة القدم فى العصور السابقة.  فى ظل ضعف الأحزاب وحداثة تكوينها هيمنت الانطباعات الإعلامية والتليفزيونية على عقول أعداد غفيرة من المشاركين الجدد فى لعبة السياسة وإزاء التحيزات الراهنة فى الأداء التليفزيونى وتحول نجوم التليفزيون من مقدمى برامج إلى موجهين سياسيين ومحرضين فإن ذلك أسهم فى نقل شرائح من أولئك الشبان من طور الجهل بالسياسة واعتزالها إلى طور فساد الإدراك السياسى وتشوهه. ومن اللاذاكرة  إلى الذاكرة العليلة. حتى صارت شريحة من الشباب مخيرة بين الجهل المطبق والمعرفة الفاسدة، وإلى أن تدور العجلة الديمقراطية سيظل الأداء الإعلامى المحايد والنزيه وحده الذى يستطيع أن يصوب الإدراك ويوفر للجميع المعرفة الصحيحة التى تقدم  مصلحة الوطن على المصالح والحسابات الخاصة، وإذا سألتنى هل هذا ممكن فى أجواء مصر الراهنة، فردى بالنفى للأسف لأن حدة الاستقطاب أخرجت الإعلام والأداء التليفزيونى خاصة من سوق الإنصاف والنزاهة. نقلاً عن جريدة "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التليفزيون مرجعًا للشباب التليفزيون مرجعًا للشباب



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon