فهمي هويدي
ما هى بالضبط الجريمة التى ارتكبها الفريق أحمد شفيق؟ ــ قبل أى كلام فى الموضوع أسجل أننى لست من مؤيديه، ولا تربطنى به أى علاقة، ولم يسبق لى أن التقيت به إلا مرة واحدة بالقاهرة على حفل عشاء بحضور آخرين. وسؤالى عن «جريمته» ليس استنكاريا، ولكنه استفهامى بالدرجة الأولى، ذلك أن المعلومات التى نشرتها جريدة «الشروق» عنه، فى عناوين احتلت رأس الصفحة الأولى، أعطت انطباعا بأن الرجل ضالع فى «مؤامرة» أقلقت النظام القائم فى مصر. الأمر الذى اقتضى تحذيره ومطالبته بأن «يلزم حدوده». وكان محيرا ولايزال يفترض أن يمارس تلك الأنشطة من مقر إقامته بدولة الإمارات، التى تستضيفه منذ عام ٢٠١٢، فى حين أنها الآن على رأس الدول الداعمة للرئيس السيسى ونظامه. ولو أنه كان مقيما فى دولة أخرى لفهمنا ولكانت «الحبكة» أكثر قبولا فى القصة.
معلومات الموضوع انفردت بها جريدة «الشروق» فى تقرير نشرته يوم ٢٥ مايو للزميلة دينا عزت، ثم أكده وأضاف إليه معلومات أخرى زميلنا عماد الدين حسين رئيس التحرير. والاثنان اعتمدا على ما يوصف بأنه مصادر «سيادية»، وهو الاسم الكودى للأجهزة الأمنية المصرية، والمعلومات التى وردت فيما كتبه الزميلان لم تكذب ولم يعلق عليها أحد. الأمر الذى يعد قرينة على صحتها.
فى التقرير الأول الذى نشر فى ٢٥/٥ إشارة واضحة إلى أن الفريق شفق يقوم من خلال عناصر معينة بأنشطة استهدفت البقاء على الساحة السياسية فى مصر، وأن تحركاته هذه تهدف إلى زعزعة شرعية الرئيس عبدالفتاح السيسى، وقد وجهت إليه رسالة صريحة باستحالة عودته ليلعب أى دور سياسى فى المرحلة القادمة.
يوم ٢٨ مايو تحدث الأستاذ عماد حسين فى زاويته اليومية عن أن ملصقات ظهرت فى بعض شوارع القاهرة أخيرا تبنتها حملة باسم «أنت الرئيس» طالبت بعودة الفريق شفيق. ووصف اسم الحملة وفعلها بأنه تجاوز للخطوط الحمراء، وذكر أن أعضاء فى حزبه طالبوا الرجل بأن يصدر بيانا يرفض فيه ممارسات تلك الحملة، إلا أنه رفض إصدار النفى. وفى حين ذكر أن اسم الفريق شفيق لايزال مدرجا على قوائم ترقب الوصول فى مطار القاهرة، وأبدى استغرابه لذلك، فإنه كشف عن أن حزب شفيق قام بتوسيط أحد السياسيين الذى فاتح أحد أركان الحكم فى إنهاء الأزمة وتلقى ردا من شقين: الأول أن الأمر بيد القضاء، والثانى أن عودة شفيق قبل الانتخابات النيابية غير مستحبة. وفى تبرير ذلك رجح أن الحكومة الحالية لا تود أن ترى شفيق رمزا انتخابيا، حتى لا يظن أن عصر مبارك قد عاد مرة أخرى. وهى الخلفية التى كانت وراء عدم الترحيب بترشح أحمد عز القيادى السابق فى الحزب الوطنى.
يوم ٢٩ مايو كتب عماد حسين تقريرا تصدر الصفحة الأولى تحدث فيه عن دور قام به أحد رجال الأعمال المصريين لتشكيل تكتل لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة. وقال ان صاحبنا هذا الذى يحمل الجنسية الأمريكية وغادر يوم الاثنين الماضى ٢٥/٥، أقام فى أحد طوابق فندق كبير فى قلب القاهرة، وسعى إلى تشكيل نواة صلبة من عشرين شخصية عامة تتولى ترشيح القائمة الانتخابية. وسيتولى تمويل الحملة نفر من رجال الأعمال المصريين الذين يقيمون بالخارج عموما وفى دولة الإمارات خصوصا.
المعلومات التى نشرت خلال الأيام الثلاثة تطرح علينا ثلاثة سيناريوهات لمشكلة الفريق شفيق هى: أن الرجل يتصور أن له حقا فى رئاسة الجمهورية التى جرت انتخاباتها فى عام ٢٠١٢ وأعلن فيها فوز الدكتور محمد مرسى ــ وأن له ملفا أمام القضاء لم يحسم أمره بعد ــ وأنه يسعى لتشكيل تكتل من الشخصيات العامة، يخوض به الانتخابات البرلمانية القادمة.
الادعاء الأول يتعذر أن يأخذه المرء على محمل الجد، ذلك أننا لا نعرف أن للرجل تاريخا فى السياسة أو أن له قاعدة شعبية خارج حدود نطاق الخاص. أما الادعاء الثانى إذا صح فأمره موكول إلى القضاء، وفى أسوأ فروضه فإنه لا علاقة له بزعزعة النظام أو استقراره. بقى الاحتمال الثالث المتمثل فى سعيه لإقامة تكتل من الشخصيات العامة لخوض الانتخابات القادمة. وهو ما قد لا يستريح له البعض لسبب أو آخر. لكنه لا يشكل مخالفة للقانون ولا تجاوزا لأية خطوط حمراء، والقول بأن ظهوره قد يوحى بعودة نظام مبارك يتعذر أن يحمل على محمل الجد بدوره، لأن النظام عاد بالفعل (بصورة أكثر شراسة أمنيا على الأقل) وتمت تبرئة أركانه، بحيث لم يعد الانتماء إليه تهمة فضلا عن أن يكون جريمة. وبالمناسبة فإن وزير العدل الجديد كان من رجال مبارك وخصوم الثورة.
إذا كنا نتحدث عن القيم الديمقراطية فإن سعى الرجل لتشكيل تكتل يخوض به الانتخابات القادمة يظل عملا مشروعا، رغم أننى لن أصوت له. أما غير المشروع فأن يمنع من ممارسة ذلك الحق لأن الرئيس السيسى دعا الأحزاب إلى تشكيل قائمة موحدة، وان يعتبر أى جهد يبذل خارج ذلك الإطار مرفوضا ومصنفا بحسبانه تجاوزا للخطوط الحمراء.
أكرر أنه ليس لدى أى دفاع عن الرجل ومشروعه إن وجد، لكن دفاعى الأصلى عن الدستور والقانون، وعن حق الناس فى الاختيار. أخيرا وعلى الهامش فإننى لا أستطيع أن أخفى دهشة إزاء تضخيم الموضوع والمبالغة فى التهديد الذى يمثله، لأن المصادر التى أطلقت الفرقعة جعلت من الحبة قبة كما يقال، فبدت أضعف مما نتصور وأعطت الرجل حجما ووزنا أكبر مما يتوقع.