توقيت القاهرة المحلي 21:13:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحمد ومريم

  مصر اليوم -

أحمد ومريم

فهمي هويدي

الأخبار أيضا حمَالة أوجه. قصة المخترع الأمريكى المسلم ذى الأصول السودانية أحمد محمد تشهد بذلك. فهذا الفتى البالغ من العمر ١٤ عاما اخترع ساعة جديدة وحملها معه إلى مدرسته فى مدينة ايرفينج بولاية تكساس ليطلع مدرس الهندسة عليها. وفى الصف دق جرس الساعة فجأة وهى فى حقيبته المدرسية فاتجهت مدرِسته إليه لتعرف مصدر الرنين. وما إن وقع بصرها عليها، ورأت شكل الساعة والأسلاك الموصولة بها حتى ارتابت فى الأمر. ولأن الفتى مسلم وأسمر فأول ما خطر على بالها أن تكون الساعة قنبلة من ذلك النوع الذى يستخدمه الانتحاريون فى الأحزمة الناسفة. لذلك فإنها طلبت من أحمد أن يخرج بسرعة من الصف، وأبلغت إدارة المدرسة بشكوكها، كما اضطرت الشرطة التى أرسلت فريقا من عناصر مكافحة الإرهاب. بعدما قام هؤلاء بتكبيله، فإنهم احتجزوا الفتى فى غرفة جانبية واشترك خمسة ضباط فى التحقيق معه بعد تفتيشه وتفريغ حقيبته المدرسية والتدقيق فى جهاز «اللاب توب» الخاص به. 

هناك أمطروه بالأسئلة حول القنبلة والقصد من تركيبها. لكن صاحبنا ظل طول الوقت يحاول إقناعهم بأنها ساعة جديدة ابتكرها. نقلوه بعد ذلك وهو مكبل اليدين إلى مخفر الشرطة لفحص بصماته ومحاولة التدقيق فى خلفيته، إضافة إلى تصويره من جميع الجهات. وبعد أن عاملوه كإرهابى طوال ٥ ساعات، لم يجدوا مبررا لاحتجازه فأطلقوا سراحه. إلا أنه فوجئ بأن إدارة المدرسة فصلته مدة ثلاثة أيام. إلا أن هذه لم تكن نهاية المطاف وإنما كانت البداية. ذلك أن صحيفة «دالاس مورنينج نيوز» وقعت على القصة، ونشرتها باعتبارها نموذجا لوباء العنصرية المتفشى فى المجتمع الأمريكى. إضافة إلى أنها أثارت غضب الجالية الإسلامية التى اعتبرت أن ما جرى لأحمد لم يكن له دوافعه العنصرية فحسب، وإنما هو أيضا من أعراض ظاهرة الإسلاموفوبيا التى وضعت كل مسلم فى خانة المشتبهين والإرهابيين.

حين ذاع الخبر كان له دويه فى مختلف وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى والدوائر العلمية. إذ صدم الجميع حين اكتشفوا أن المخترع الصغير تحول إلى إرهابى لمجرد أنه أسمر البشرة واسمه أحمد، وأن الساعة التى ابتكرها اعتبرت على الفور قنبلة قابلة للانفجار.

خلال ٢٤ ساعة تحول أحمد العاشق للهندسة والعضو فى نادى «الروبوتات» بالمدينة التى تسكن فيها عائلته، إلى نجم تنافست وسائل الإعلام على الحديث معه ومتابعة قضيته. وإلى جانب تقارير كبريات الصحف وسيل تعليقات المدونين وجه موقع جوجل الدعوة إليه للمشاركة فى معرض علوم الذى يقيمه، وشارك فى حملة التعاطف معه بعض المشاهير فى الولايات المتحدة، منهم هيلارى كلينتون ومؤسس موقع فيسبوك مارك زوكربرج، واشتهر تعليق كتبه الرئيس باراك أوباما حيا فيه أحمد وأشاد بعمله، ودعاه لإحضار ساعته معه إلى البيت الأبيض، مضيفا قوله: نريد أن نشجع أطفالا آخرين أمثالك على حب العلم، فذلك ما يجعل أمريكا أمة عظيمة. وقال متحدث باسم البيت الأبيض إن زيارة أحمد للبيت الأبيض ستتم الشهر المقبل ليشارك فى «ليلة فلكية» يقيمها الرئيس ويحضرها عدد من العلماء ورواد الفضاء.

هذه القصة اختزلتها جريدة «الأهرام» يوم الجمعة الماضى ١٩/٩ فى خبر على الصفحة الأولى كان عنوانه كما يلى: «ساعة أحمد تفضح المجتمع الأمريكى»، وفى الخبر أن قضيته «كشفت غياب التسامح عن ذلك المجتمع وأن البيت الأبيض حاول إنقاذ ماء الوجه من خلال الرسالة التى وجهها الرئيس باراك أوباما إلى أحمد مخترع الساعة».

ما ذكرته جريدة الأهرام صحيح. لأن العنصرية فى الولايات المتحدة حقيقة لا ينكرها أحد. وقد انتقدها الرئيس الأمريكى أكثر من مرة. لكن قراءة الأهرام للقصة كانت من زاوية واحدة، وتجاهلت ثلاث زوايا فى الخبر غاية فى الأهمية: الأولى رسالة الرئيس أوباما التى صوبت الموقف من خلال إدانة ضمنية لسلوك المدرسة والشرطة ورد اعتبار أحمد بدعوته إلى البيت الأبيض. والثانية قوة وسائل الاتصال التى حولت القصة إلى قضية رأى عام وأحدثت صداها فى البيت الأبيض خلال أقل من ٢٤ ساعة. الثالثة تمثلت فى قوة المجتمع الذى عبر عن تضامنه مع الفتى من خلال بيانات المؤسسات العلمية ومنظمات المجتمع المدنى والشخصيات العامة.

إن النقائص والرذائل لا يخلو منها مجتمع بشرى، والفرق بين مجتمع وآخر يقاس بمعيار تعامله مع تلك الرذائل، هل يتستر عليها ويخفيها أم يعترف بها، فيكشفها ويحاول احتواءها وإصلاحها. لذلك فمن الصحيح أن القضية فضحت أحد أوجه المجتمع الأمريكى، والأصح أنها كشفت أيضا عن أوجه أخرى بينت مدى حيويته وقوته.

حين قرأت قصة الفتى أحمد قارنت فصولها بما جرى لتلميذة أسيوط مريم ملاك، التى حصلت على صفر فى الثانوية العامة ــ رغم تفوقها ــ فى قضية خلافية مثارة منذ أسابيع ولم تجد البنيَّة من يرد اعتبارها وينصفها. وتذكرت قصة الشاب المراهق محمود محمد الذى ارتدى قميصا «تى شيرت» كتبت عليه عبارة «لا للتعذيب»، وعانى بسبب ذلك أكثر من معاناة الفتى الأمريكى السودانى. إذ ألقى القبض عليه لهذا السبب ولا يزال مسجونا منذ نحو ٦٠٠ يوم، دون أن يجد من يصوب ما جرى له.

شىء جيد أن يرفع المجتمع صوته بالإنكار أو الدعوة إلى التصحيح. ويرتفع التقدير إلى درجة الامتياز إذا وجد الصوت صدى وأذنا تسمع وتستجيب لنداء الإنصاف. وحين لا يحدث لا هذا ولا ذاك، فإننا نصبح بإزاء مشكلة مجتمعية وسياسية تعنى أن بيتنا من زجاج، وفى هذه الحالة فإن إلقاء الحجارة على الآخرين يصبح تطاولا فى غير محله

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحمد ومريم أحمد ومريم



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon