فهمي هويدي
حين تطالعنا الصحف المصرية بأخبار عن البدء بتشغيل ألف مصنع متوقفة عن الإنتاج، وكذلك البدء فى إصلاح القطارات قبل حلول الشتاء والتفكير فى تدريب موظفى الحكومة للنهوض بأدائهم، فإن ذلك كله يسرنا ويدهشنا. هو يسرنا لأنه يعبر عن توجه لحل المشكلات الحقيقية للمجتمع. أما مصدر الدهشة فيكمن فى أن ذلك كله تأخر وكان ينبغى أن يبدأ منذ سنتين أو ثلاث على الأقل، الأمر الذى يثير التساؤل ويبعث على الحيرة.
يوم ١٣ أكتوبر الحالى أبرزت الصحف المصرية قرارات وصفت بأنها «حاسمة» اتخذها رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل خلال اجتماع وزارى عقده فى اليوم السابق. أبرز تلك القرارات تعلق باستكمال وتشغيل ألف مصنع تعطل بعد الثورة خلال مهلة لاتزيد على عام واحد. صحيح أن وزير التعليم السابق طلب إعطاءه مهلة عام قبل مساءلته عما فعل لإصلاح ذلك القطاع الحيوى لكنه ترك مكتبه قبل نهاية العام. وصحيح أيضا أننا لسنا واثقين من أن رئيس الوزراء الحالى سيظل فى منصبه بعد الانتخابات التشريعية التى نحن بصددها، ويفترض أن تشكل بعدها وزارة جديدة، إلا أن «البدء» بتشغيل المصانع العاطلة قرار ينبغى أن يحتفى به، وان يعطى حقه من الاهتمام فى ذاته وفى دلالته.
قبل ذلك بأيام قليلة (فى ٦/١٠) نشر أن وزارة النقل «بدأت» فى تنفيذ مشروع إصلاح قطارات الضواحى الدرجة الثانية بتوفير النوافذ والإضاءة اللازمة لها قبل حلول الشتاء. وذكر أن عربات السكة الحديد عددها ٢١٥٢ وحدة، منها ١٦٨٧ عربة بحاجة إلى إصلاح، وذكر الخبر المنشور أن عربات الدرجة الأولى المكيفة لا تحتاج إلى إصلاح، فى حين أن المشكلة أكبر بكثير فى عربات الدرجة الثانية وقطارات الضواحى التى تستخدمها طبقات المجتمع الدنيا، وأيا كان رأينا فى الأرقام ودقتها إلا أنه لم يكن مفهوما ان تتخذ الخطوة قبل حلول الشتاء وعدم الاعتناء بإصلاح العربات وإضاءتها طوال أشهر الصيف التى باتت تحتل ثلاثة أرباع السنة. مع ذلك قلت إنه لا بأس أن يتذكر وزير النقل آدمية الفقراء وحقهم فى أن يستخدموا قطارات تختلف عن عربات نقل المواشى وأن يحدث ذلك مع إطلاق القطار الفاخر الجديد (فى، أى بى) المخصص للقادرين بسبب ارتفاع قيمة تذكرة ركوبه.
كنت قد قرأت أيضا عن مؤتمر عقد بالقاهرة كان موضوعه مثيرا للانتباه، لأنه خصص لمناقشة «الابتكار فى الحكومة»، وهو ما بدا غريبا وبعيدا عن الأذهان، لأن سمعة الحكومة على النقيض تماما مما أشار إليه العنوان. الشاهد ان مناقشات المؤتمر بينت أن ميزانية تدريب الموظف فى مصر بحدود ١٥ جنيها سنويا، (أقل من ثمن علبة السجائر التى تباع بنحو ٢٥ جنيها)، كما دعت إلى الاهتمام بتدريب شاغلى الوظائف العليا للارتقاء بمستوى خدمات الأداء الحكومى (موظفو الحكومة ٦.٤ مليون شخص).
القاسم المشترك بين الحالات الثلاث انها لامست الواقع وعكست اهتماما بالطبقات الدنيا من المواطنين، وهذا ما ينبغى أن نحمده ونقدره. ذلك أن المصانع العاطلة والقطارات الخربة والموظفين المضربين عن العمل دون إعلان، ليست سوى نماذج للتدهور الحاصل فى الخدمات التى تقدم للمواطنين. والحاصل فى مجالات التعليم والصحة والإسكان ليس أفضل كثيرا بل قد يكون أفدح. وقد قرأت قبل أيام عن المدرسة التى كانت «اسطبل» للخيول، وأخرى بلا فناء مما اضطر الإدارة إلى تنظيم الطوابير فى الشارع وممارسة الألعاب الرياضية فوق السطوح، وثالثة فى الصعيد بلا مقاعد الأمر الذى اضطر التلاميذ للجلوس على الأرض...الخ. وقبل ذلك تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى صورا مروعة التقطها أطباء الإسكندرية لأوضاع المستشفيات الحكومية هناك، الأمر الذى كان تجسيدا للحال المزرية التى تعانى منها المستشفيات فى المدن الكبرى، فما بالك بالقرى النائية والنجوع.
من المفارقات اننا ونحن نتحسس الطريق ونستبشر بالبدء فى حل مشكلات المجتمع ومعاناة الناس نفاجأ بفرقعة فى الفضاء المصرى تمثلت فى استدعاء ملف العاصمة الجديدة التى ستكلف مرحلتها الأولى ٤٧ مليار دولار، والتى ستمتلئ بالفنادق والحدائق والناطحات...الخ. فى حين أن عدة ملايين من المصريين يسكنون فى القبور. وهو ما يجدد الدهشة ويعطى انطباعا بأن العقل المدبر ليس واحدا، وان هناك من يتحسس أوجاع الناس ومن يحلق فى الفضاء محاولا إبهارهم ومداعبة أحلامهم. ونحن بين الاثنين متفرجون وحائرون. إذ لا رأى لنا فيما يجرى وليس بمقدورنا أن نسائل أو نحاسب. والمشكلة الأكبر من كل ذلك أننا صرنا لا نعرف إلى أين نحن ذاهبون.