فهمي هويدي
حين سئل المشير عبدالفتاح السيسى عن الجيش المصرى الحر، كان رده أنه لا وجود له، هذا ما نقله على لسانه الإعلاميون الذين التقوه مساء يوم الأحد الماضى (4/5)، وهو ما أكده وأعلنه الأستاذ عمرو أديب فى برنامجه التليفزيونى فى اليوم ذاته. وفى الحوار التليفزيونى الذى أجرى معه مساء الاثنين (5/5)، قال المشير السيسى ان الجبهة الغربية (يقصد منطقة الحدود الملاصقة لليبيا التى يشاع أن الجيش الحر فى محيطها) مؤمنَّة تماما. وتصادف ان نشرت الصحف فى اليوم ذاته تصريحا للمتحدث الرسمى للجيش الليبى على الشيخى بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية نفى فيه قصة الجيش المذكور، وقال إن هناك تنسيقا وتواصلا مستمرين بين المنطقة العسكرية فى طبرق الليبية وبين القيادة العسكرية المصرية لضمان الحفاظ على أمن الحدود بين البلدين، فى اليوم التالى مباشرة الثلاثاء 6/5 نقلت صحيفة «الوطن» المصرية تصريحات نسبتها إلى «مصادر سيادية» ذكرت فيها ان 120 من عناصر الإخوان توافدوا على ليبيا فى الأسبوع الماضى للانضمام إلى الجيش الحر وان قيادات إخوانية التحقت بتنظيم القاعدة فى مناطق مختلفة فى ليبيا تجنبا لرصدهم من جانب عناصر المخابرات المصرية. قالت المصادر السيادية أيضا أن عناصر شيشانية وصومالية وسودانية انضمت إلى معسكر الفتايح التابع للجيش الحر، إلى جانب معسكرى سرناطة والهيشة. وان هؤلاء يتأهبون للدخول إلى سيناء والصعيد، لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الأقباط لمنعهم من التصويت فى الانتخابات الرئاسية. أضافت المصادر ذاتها قولها إن تدفق الأسلحة الثقيلة الممولة من قطر وتركيا لايزال مستمرا عبر البحر إلى منطقة «درنة»... إلخ.
ربما يذكر البعض أننى سبق أن كتبت مقالا فى 22 أبريل الماضى بعنوان «فرقعة الجيش المصرى الحر»، فى أعقاب سيل التقارير الإخبارية والتصريحات «السيادية» التى نسجت العديد من القصص حول الموضوع. فتحدثت عن احتشاد ذلك الجيش فى الجانب الليبى على حدود مصر الغربية. وكيف أنه يجهز لاقتحام الحدود من هناك، وأن حركة حماس فى غزة تجهز للدفع بعناصرها من ناحية الشرق، فى الوقت الذى تخترق الحدود فيه ميليشيات أخرى من السودان عبر الجنوب. إلى غير ذلك من الترتيبات التى تفترض أنها تستهدف إثارة الفوضى فى مصر وإسقاط نظامها، وهى القصة التى يصعب تصديقها، لأنها تعنى فى حقيقة الأمر أن تلك الأطراف الثلاثة قررت إعلان الحرب على مصر. وذلك ضرب من الخيال يتعذر لأى عاقل أن يفكر فيه. ثم انها تفترض أن تلك المجموعات أيا كان عددها أو تسليحها يمكن أن تخترق الحدود المصرية وتدخل فى مواجهة مع القوات المسلحة. ناهيك عن أن مصر بأجهزتها الاستخبارية ستقف متفرجة حتى تنتهى من احتشادها وتدريبها ثم تنطلق نحو أهدافها فى طول البلاد وعرضها. وهو السيناريو المتهافت الذى لا يختلف كثيرا عن قصة الآلاف السبعة الذين قيل إن حماس سربتهم من غزة لفتح السجون وقنص المتظاهرين ومناصرة الإخوان. فدخلوا بأرتالهم وأسلحتهم الثقيلة عبر الأنفاق، مارين بوحدات الجيش وكمائن الشرطة. حيث قطعوا نحو 400 كيلومترا حتى وصلوا إلى أهدافهم، دون ان يعترض سبيلهم أحد (للعلم: المشير السيسى كان مديرا للمخابرات الحربية فى ذلك الوقت).
أثارت دهشتى الحملة، واستغربت أن اللامعقول فيها الذى وصل إلى حد الاستخفاف بعقل القارئ وبالقوات المسلحة المصرية والتهوين من شأنها، ذلك كله بدا مقبولا من جانب كثيرين. ممن سارعوا إلى تأجيج المشاعر والتحريض والدعوة إلى ضرب قواعد الجيش المزعوم فى الأراضى الليبية. وهو ما تنافس فيه عدد من المعلقين وآخرين من الأدعياء الذين قدموا إلينا بحسبانهم خبراء استراتيجيين. وشاهدنا فى أحد الحوارات التليفزيونية من قال ان قطر خصصت مليار دولار لدعم ذلك الجيش، فتدخل آخر مزايدا وقال إن المبلغ عشرون مليارا.. وهكذا.
فى مقالى الذى أشرت إليه سألت بعضا من العارفين فقيل لى إن السلطات المصرية لم تصدر بيانا رسميا بخصوص وجود الجيش. ونقلت على لسان مسئول ليبى كبير تأكيده على أن الموضوع لا أصل له. وأن وزير الخارجية الليبى صرح بذلك حين سئل عنه. وأشار إلى أن أعوان القذافى لم يتوقفوا عن محاولة الدس بين البلدين. وحين نفى المشير السيسى وجود الجيش فى اللقاء سابق الذكر فإن ذلك جاء تأكيدا على أن المسألة كانت مجرد فرقعة لا أقل ولا أكثر. إلا أن ذلك لا يغلق الملف لأن ثمة جوانب محيرة فى المشهد تحتاج إلى تفسير. من ذلك مثلا ان سيل الأخبار والتقارير التى نشرت فى السابق نسبت إلى المصادر السيادية المصرية التى تعد أجهزة المخابرات من ضمنها. فبماذا تفسر تسريب تلك المعلومات فى حين أن القصة لا أصل لها. ومن صاحب المصلحة فى ذلك، من الأسلئلة المحيرة أيضا ان النفى الذى صدر عن المشير السيسى فى لقائه مع الإعلاميين لم يظهر فى النص الذى بثه التليفزيون فى اليوم التالى، الأمر الذى يعنى أن يدا تدخلت لحذفه. منها كذلك أنه بعدما أعلن المشير السيسى أن الجيش الحر لا وجود له، نشرت صحيفة الوطن فى اليوم التالى مباشرة تسريبا للمصادر السيادية ذاتها تحدثت عن التحاق 120 مصريا له وانضمام عناصر من جنسيات أخرى إليه، وإزاء وجود أسئلة من ذلك القبيل سيظل الأمر محاطا بالغموض والشكوك، كما سيظل مفتقدا إلى الشفافية الضرورية لتعزيز الاطمئنان والثقة ــ فهمونا يرحمكم الله.
"الشروق"