فهمي هويدي
نتكلم كثيرا عن صورة مصر فى الخارج لكن الصورة فى الداخل تحتاج إلى تحرير، ليس فقط لأن الكلام عند الخارج ينصب على الصورة، أما الذى فى الداخل فهو الأصل. ولكن أيضا لأن صورة الخارج يتداخل فيها النظام مع الدولة، ولكن الناس فى الداخل يتعاملون مع النظام فى حين أنهم جزء من الدولة، وليسوا بحاجة لمن يحدثهم عن مناقبها. ولكى أوضح الفكرة الأخيرة بشكل أفضل أذكر بالمشهد الذى تحدثت عنه وسائل الإعلام فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حين أقيم معرض للآثار الفرعونية فى باريس، شهد إقبالا هائلا من الفرنسيين.
وهو ما أبرزته الصحف المصرية آنذاك، موحية بأن ذلك الإقبال يعبر عن الإعجاب والتقدير لمبارك ونظامه، وكان ذلك نوعا من التدليس، لأن زوار المعرض ذهبوا للاحتفاء بجاذبية الحضارة المصرية وليس إعجابا بالنظام المصرى، وفى المناسبة فإن أبواق النظام تمسحت فى تاريخ الدولة المصرية وحاولت توظيف الرأى العام الداخلى لصالح مبارك وسياسته التى قيل لنا إنها تمثل أزهى عصور الديمقراطية.
الصورة فى الخارج تحتمل كلاما كثيرا لكنى لست فى وارد التفصيل فيه هذه المرة، بسبب انشغالى بالأصل فى الداخل. وقد أوردت الحكاية فى أجواء الحديث عن علاقة مصر بالعالم الخارجى المثارة هذه الأيام، للتنبيه إلى أن الحفاوة التى تستقبل بها مصر فى الخارج تتداخل فيها عوامل عدة بعضها يتعلق برصيد مصر الحضارى والتاريخى، وبعضها يتعلق بالمصالح التى يسعى الخارج إلى ضمان استمرارها فى ظل كل الظروف، وفى المقام الثالث يأتى الموقف من سياسات الداخل، الذى هو شاغلنا الأهم، نحن أهل الداخل.
حين نحيل النظر فى الداخل فإننا لا نكاد نجد مصدرا يوثق به ويطمأن إلى نزاهة وحياد المعلومات التى تقوم حول مؤشرات الرأى العام. بوجه أخص فإن قياسات الرأى العام المتاحة محكومة بسقف الحريات المتوافر. وإزاء التراجع المشهود فى سقف الحريات. فإننا ينبغى ألا نستغرب حدوث تراجع مماثل فى نتائج قياسات الرأى العام. لأن تلك القياسات لا تنتعش ولا تتمتع بالقدر المفترض من النزاهة والصدق إلا فى أجواء الديمقراطية التى تكفل ممارسة حرية التعبير وضمان حماية الآراء المخالفة. شأنها فى ذلك شأن التعددية الحزبية والصحافة الحرة ومنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدنى، وغير ذلك من الأنشطة التى صارت من تقاليد المجتمعات الديمقراطية. بمعنى أنه بعد إطلاق الحريات فى ظل الديمقراطية، توالى ظهور تلك الأنشطة التى تفرعت عنها. وإحدى مشكلات العالم الثالث تكمن فى تجاهلها لتلك الخلفية، وسعيها المستمر إلى مصادرة الأصل المتمثل فى الديمقراطية ومحاولة التجمل بالفروع سابقة الذكر. وهو ما يحولها فى النهاية إلى هياكل وواجهات تعبر عن الشكل الديمقراطى، لكنها فارغة المضمون وعاجزة عن أن تؤدى وظائفها الحقيقية.
النتيجة أننا صرنا نعيش فى مصر دون ان نعرف ولو على وجه التقدير قسماتها ولا ملامحها الحقيقية ــ وهو ما أجيب به عادة حين اسأل عن أمور كثيرة فى واقع مصر الراهنة، فأجيب قائلا انه ليس بمقدورنا أن نلم بالمؤشرات والقسمات التى ترسم ذلك الواقع، ولكن بوسع الواحد منا أن يتحدث فقط عن دائرته الخاصة والمساحة التى تحيط به. وما عدا ذلك يظل من قبيل التخمينات غير المقطوع بدقتها، فى صوابها أو خطئها.
ثمة قائمة طويلة من الأسئلة مثارة حول الوضع القائم فى مصر لا نستطيع ان نجد لها أجوبة يطمأن إليها. من تلك الأسئلة ما يلى:
• إلى أى مدى تحققت وحدة الجماعة الوطنية فى مصر؟
• هل المصريون أصبحوا أكثر تسامحا أو تعصبا، ولماذا؟
• إلى أى مدى يثق الناس فى الإعلام المقروء والمسموع؟
• هل لايزال القضاء المصرى شامخا كما كان، وكيف يراه الناس الآن؟
• هل تحقيقات النيابة العامة فى القضايا التى تتعلق بالشأن السياسى تتسم بالنزاهة والحياد؟
• كيف يرى الناس دور الشرطة، وهل هى تحمى المجتمع أم تحمى النظام؟
• ما هو موقف الرأى العام من القوى السياسية المختلفة؟ وما هى حظوظ تلك القوى فى الشارع المصرى؟
• إلى أى مدى يثق المصريون فى تقارير المجلس القومى لحقوق الإنسان، وتقرير لجنة تقصى الحقائق التى عينتها الحكومة؟
• ما موقف المجتمع المصرى من مشاركة الإسلام السياسى فى العمل العام؟
• كيف يرى المصريون السلفيين وعلاقتهم بالنظام القائم فى مصر؟
• ما رأى المصريين فى العمليات الإرهابية والجهات أو الجمعات التى تقف وراءها؟
• كم تبلغ نسبة الاقتناع بضرورة تطبيق الديمقراطية وكيف يرى المصريون الحلول السياسية والأمنية؟
• ما رأى طلاب الجامعات فى القيادات الجامعية الحالية وفى تعديل قانون الجاعات الذى يسمح بفصل الأساتذة؟
• كيف يرى المصريون الدور المحلى والإقليمى فى انتفاضتى 25 يناير و30 يونيو؟
• ما هو ترتيب المشكلات الأساسية التى يواجهها المصريون: الإرهاب ــ الغلاء ــ السكن ــ البطالة ــ إسرائيل ــ التآمر الخارجى؟
• هل يؤيد المصريون إغلاق معبر رفح واستمرار حصار القطاع وإغلاقه على المليونى فلسطينى؟
لا أعرف إجابة مصرية على مثل تلك الأسئلة، وكل ما هو متاح لنا إجابات تمثل اجتهادات حكومية أو فردية أو شللية وتلك كلها آراء خاصة. وأرجو ألا ننتظر طويلا حتى نعرف موقف الرأى العام منها.