توقيت القاهرة المحلي 21:23:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أن تصبح الكراهية حلا

  مصر اليوم -

أن تصبح الكراهية حلا

فهمي هويدي

يوم الاثنين الماضى ١٢/١٠ قام اثنان من الفتيان الفلسطينيين هما أحمد مناصرة (١٣ عاما) وابن عمه حسن (١٥ عاما) بطعن إسرائيليين فى مستوطنة «بسغاف زئيف» بالقدس المحتلة. أحمد أصيب إصابة بالغة بعد إطلاق الرصاص عليه وحسن قتل. فى اليوم ذاته طعنت شروق دويات (١٩ سنة) شرطيا من حرس الحدود قرب مقر الشرطة بالقدس. وكان مصطفى الخطيب (١٨ سنة) قد قتل برصاص الشرطة بعدما طعن أحد عناصرها بسكين قرب باب الاسباط فى البلدة القديمة بالقدس. فرح باكير من سكان بيت حنينا (١٧ سنة) فعلت نفس الشىء، وكذلك على محمد أبوسعيد من يطا جنوب محافظة الخليل. والقائمة طويلة. إذ تحدث موقع «واللا» العبرى عن ٢٦ عملية طعن منذ بداية الشهر الحالى منهم ١٨ يحملون هوية إسرائيلية ٨ من الضفة الغربية. وذكر عاموس هارئيل المحلل السياسى لصحيفة هاآرتس ان ما بين ثلاثة إلى أربعة إسرائيليين باتو يتعرضون للطعن يوميا من جانب الفلسطينيين الأمر الذى اضطر وزير الأمن الداخلى جلعاد اردان إلى استدعاء ١٣ كتيبة من جنوبد الاحتياط لنشرها فى القرى والمدن التى يعيش فيها فلسطينيو عام ١٩٤٨.

غضبة الفلسطينيين فاجأت الجميع. وذكَرت العرب بقضيتهم التى كانت مركزية يوما ما، وراهن البعض على نسيانها وإخفاء ملفها وراء ضجيج الأحداث الأخرى التى تعج بها المنطقة. المفاجأة كانت جديدة فى نوعها وحافلة بالتفاصيل المثيرة. من أهم تلك التفاصيل ان الذين أطلقوها هم أبناء مرحلة ما بعد «أوسلو»، التى وقعت بين القيادات الفلسطينية والإسرائيلية فى عام ١٩٩٣. أى قبل ٢٢ عاما. تشهد بذلك قائمة الشبان والفتيات الذين سبقت الإشارة إليهم. إذ هم يمثلون الأغلبية الساحقة من الذين انتفضوا غضبا وتسابقوا على طعن المستوطنين وتصفية الحساب معهم. وهو الجيل الذى راهن البعض على انه سوف يذوب فى المحيط الإسرائيلى بمضى الوقت ويستسلم للأمر الواقع المفروض لتطوى بعد ذلك صفحة القضية. وتبين بعد نحو عشرين عاما أنه لم ينس ولم يستسلم للقهر والذل، لكنه كان يختزن المرارة والكراهية للذين اغتصبوا الوطن وشردوا أصحاب الأرض.

من الملاحظات أيضا أن أولئك الشباب انطلقوا من داخل الدولة العبرية، وليس من غزة أو الضفة. الأهم من ذلك أنهم جاءوا من خارج المنظمات الفلسطينية التقليدية. لم يتلقوا تعليمات ولا توجيهات ولا حتى تدريبات من أى نوع، إذ لم يحملوا سلاحا ولا فجروا موقعا ولا قاموا بهجوم منظم. ذلك أن كل واحد عبر عن كراهيته للاحتلال والإذلال بطريقته وفى حدود قدرته. كان السكين سلاحا فى متناول الجميع، تلته الحجارة والزجاجات الحارقة.

بدا مثيرا للانتباه كذلك أن أداء الشبان والفتيات اتسم بدرجة عالية من الجرأة. فكل واحد كان يعلم مسبقا أنه لن يخرج حيَا من فعلته، مع ذلك فإنهم أبدوا بسالة فى تحدى الجنود الإسرائيليين المدججين بالسلاح إذ لم يعودوا يرهبوهم أو يخيفوهم. ورأيت أشرطة فيديو لشباب وفتيات يتضاحكون وهم يرشقون الجنود الإسرائيليين، وأدهشنى منظر شاب كان «يدبك» ــ من رقصة الدبكة ــ وهو يركض حاملا مقلاعه «ليقصف» الإسرائيليين بالحجارة.

سواء وصف ما جرى بأنه هبَة أو فزعة أو انتفاضة، فلا أحد يجادل فى أنه انفجار لمخزون الغضب والكراهية يعبر عن رفض الاحتلال بكل ممارساته. وهو ينسب إلى الضمير الفلسطينى وليس إلى سلطة أو جماعة أو فصيل من أى نوع. لقد انطلقت انتفاضة عام ١٩٧٨ بعدما دهس سائق شاحنة إسرائيلى مجموعة من العمال الفلسطينيين عند معبر «اريز» وقتل منهم ثلاثة، ففجر ذلك المشاعر المختزنة وهاجم الفلسطينيون بالحجارة موقعا للجيش الإسرائيلى فى مخيم جباليا، وحين جاء الرد من تل أبيب اتسع نطاق الغضب وعم الحريق الأرض المحتلة، الأمر الذى كانت اتفاقية أوسلو (عام ١٩٩٣) من ثماره.

الانتفاضة الثانية انطلقت فى عام ٢٠٠٠ بسبب عدوان إسرائيلى آخر، تمثل فى اقتحام آريل شارون رئيس الوزراء آنذاك المسجد الأقصى فاستفز مشاعر المسلمين الذين عبروا عن غضبهم بانفجار آخر عم الأرض المحتلة، ورد الإسرائيليون ببناء السور الذى أرادوا الاحتماء به من الغضب الفلسطينى.

الانتفاضة الثالثة التى نحن بصددها أطلق الإسرائيليون شرارتها أيضا، حين أضرم المستوطنون النار فى بيت سعد الدوابشة فى قرية دوما بمحافظة نابلس، مما أدى إلى إحراق طفله الرضيع على، ثم قتل الأبوين بعد ذلك وهى الجريمة التى وقعت فى شهر أغسطس الماضى وأعقبها اقتحام المستوطنين بقيادة أحد الوزراء للمسجد الأقصى والإصرار على التقسيم الزمانى له مع المسلمين. وهو التراكم الذى دفع الشباب الفلسطينيين إلى التعبير عن غضبه ونقمته على النحو الذى نشهده الآن.

ليس معروفا ما الذى سيسفر عنه الغضب الراهن. فقد تحدثت التقارير الصحفية عن إجراءات صارمة اتخذتها الحكومة الإسرائيلية لتأديب الفلسطينيين وإنذارهم، فى حين أشارت إلى جهود للتهدئة تبذلها السلطة الفلسطينية فى رام الله بتشجيع وضغط من بعض الدول العربية المنشغلة بهمومها الداخلية. إلا أن ذلك لن يغير من الموقف شيئا طالما ظل الانسداد قائما وبدائل الحل العادل منعدمة. وإزاء ذلك فإن استمرار الكراهية ومضاعفتها سيظل حلا، والعنف الخارج على السيطرة سيصبح التعبير الوحيد عنها، صحيح أنه حل باهظ التكلفة، ولكن من لديه بديل آخر غير الانبطاح فليدلنا عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تصبح الكراهية حلا أن تصبح الكراهية حلا



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon